محجوب مدني محجوب يكتب: حقيبة (تمكنا) الجديدة
لا حل لنا سوى الوفاق الوطني. ، ومن المستحيل أن يأتي لنا الحل من خارج السودان.
يحتاج الوفاق الوطني أن يجتمع الجميع داخل دائرة ذهبية وإن أراد الله لهذا الشعب المغلوب على أمره أن يستقر فستتحقق.
عوائق حول هذه الدائرة تتمثل في نقطتين أساسيتين.
الأولى: أن ينضم إلى الثورة من شارك، وانضم للنظام السابق دون أن يسيء هذا الانضمام للثورة، وللتغيير الذي تم.
بمعنى أن لا يحدث انفصال بينهما، وإنما يحدث انضمام مع تقدير ،وإثبات لقيم الثورة.
أما رغبة انضمام النظام السابق، ورموزه للساحة السياسية كبديل للثورة، وأنه يريد ان يفرض سيطرته على الحكم مرة أخرى، ويتجاوز الثورة، وإنجازاتها باعتبارها مجرد خدعة وفبركة، فهذا الفهم لا يزيد الأمر إلا تعقيدا.
فإعادة جميع من شارك في النظام السابق مع الاعتراف بقيم الثورة، هذا هو التحدي.
النقطة الثانية: تتعلق بمن يظهر الآن في الساحة السياسية، فلا بد أن تؤخذ جميع القرارات والسياسات باعتبارها تهم جميع الشعب السوداني، ولا تهم فئة معينة.
اهم هذه القضايا هي:
* قبول العلمانية ورفضها في نظام الحكم.
* قضية التطبيع مع إسرائيل.
* قضية سد النهضة وما يتبعها من ترسيم للحدود.
* قضية التعامل مع الأمم المتحدة وكيفية تبنيها لقضايا السودان.
نقطتان تحتاجان لمعجزة حتى يستقر هذا السودان، حيث لا استقرار بلا وفاق وطني.
إن اكتفت الثورة بنفسها، وبمن كان سببا في اشتعالها، وظلت تبعد كل من هو كان بعيدا عنها، فلن يتحقق وفاقا وطنيا؛ لأن هذه الحالة أشبه بمن يريد أن يقسم السودان إلى قسمين قسم ما قبل الثورة، وقسم ما بعد الثورة.
لا بد أن ينضم الجميع للثورة مع الاحتفاظ بقيمها، وبدورها العظيم الذي قامت به.
ما يحدث الآن هو قسم لا يعترف بإنجازات الثورة، وآخر يعتبرها قمة الإنجاز.
احيانا من هو خارج الثورة يغلف هذا الهجوم على الثورة بأنها سرقت او أن من يقوم على أمرها محاربا لله ورسوله، بينما الأصل في هذا الهجوم هو أن هذه الثورة العدو الذي أزال حكمه.
والجانب الآخر كذلك يعتبر نفسه استحالة ان يضع يده في يد من قامت الثورة من أجل إزالته، ففي هذا خيانة للثورة وللشهداء.
فلا بد من أن يؤوب من كان خارج الثورة إليها كما لابد أن يقبل من هو بداخل الثورة بهم.
إن كنا ننظر إلى المستقبل، وإن كان همنا السودان، وإنسان السودان.
النقطة الثانية كذلك لا تقل أهمية إذ أن التعامل مع القضايا المصيرية لسياسات السودان لا بد أن تؤخذ في الاعتبار أنها قرارات تمس الجميع، وليست تمس فقط من يمثل عقبة الآن في الاستقرار السياسي، فإن تم احتواء ما هو موجود الآن، فسوف يتسبب هذا الاحتواء في إبعاد الآخر.
ولن نستفيد شيئا، ولن نفعل سوى أبدلنا أطراف النزاع لا اكثر.
وهكذا.
فإذن لا بد ان يلتقي الجميع داخل الدائرة الذهبية.
لا يوجد عامل واحد خارجي يمكن أن يلعب دورا في هذا الوفاق.
بل بالعكس سوف يساهم في عرقلته، وعدم تحقيقه.
فهو إن تدخل، فسوف يدعم طرفا على طرف، وهذا هو التمزق بعينه.
إن ظل كل اتجاه يدافع عن حقوقه، وقناعاته بمعزل عن الآخرين، فعندئذ لن يتحقق وفاق وطني، وبالتالي ستستمر الأزمة السياسية، والمتضرر الوحيد من ذلك هو المواطن السوداني.
فإن اكتفت الثورة برموزها مدعية أن النظام العالمي الذي تقوده إسرائيل، وأمريكا سيحقق لها استقرارا، فتكون بذلك واهمة.
فلن يترك لها الباقون السودان، ولن يتركوا لها السياسة.
الاستقرار لا يتحقق إلا من الداخل كل الشواهد، والأمثلة، والتجارب، تشير إلى ذلك.
لا بد من دمج الجميع داخل الدائرة حتى يستفيد المواطن.
وهذا العمل لا يدعمه إلا من بالداخل.
فإن اكتفى القائمون باتخاذ قرارات أحادية في قضايا السودان المصيرية، فلن يجلس المعارضون يتفرجون عليهم.
مشروع الوفاق الوطني ليس مستحيلا كما أنه ليس سهلا يحتاج فقط إلى:
* وعي.
*إرادة.
*تجرد.
الوعي:
يتمثل في أن السودان هو الذي ضم النظام السابق، وضم الثورة، فإن فقدناه، فما فائدتهما معا؟.
والإرادة:
تتمثل في تجاوزات مرارات السابق، وفي تجاوزات انتصارات الحاضر، فلا الحفاظ بمرارات السابق سيعيد لنا السابق، ولا الاعتداء بانتصارات الحاضر سيكفي لتحقيق النجاح.
والتجرد:
يتمثل في عدم نظرة كل مجموعة في محيطها فقط، وذلك بسبب أن السودان يمكن أن يحوي محيطها ومحيط غيرها.
فمن كان خارج تداعيات الثورة لا بد ان ينسجم ويتناغم معها.
ومن جلس بعد الثورة لا بد ان يتعامل مع قضايا البلد بصورة جماعية وشاملة للكل، وليست أحادية.
غير ذلك، فلن يأتينا حل من خارج البلد.
الوعي، والإرادة، والتجرد، هي عبارة عن حقيبة (تمكنا) الجديدة التي لا بد ان يتأبطها الجميع؛ لنحصل على
هذه الدائرة الذهبية، فما أغلاها من دائرة.
وإن لم نتمكن من حملها، فسوف نتشرذم جماعات جماعات، وكل جماعة تضرب في اتجاه، فيحصل التشتت والعداء، فيصيبنا المرض والجهل، والفقر، والتشريد.
فالجلوس، ودعم العمل السياسي خارج الدائرة ممكن كما أن الجلوس ودعم العمل السياسي داخلها أيضا ممكن.
فقط يجب أن نعرف ان لكل جلوس حقيبة، ولكل عمل نتائج ومخرجات.
فبداخل الدائرة سوف تحل مشاكلنا، ومن خارجها سوف تجلب لنا الشر.
الجلوس والعمل خارج الدائرة سهل، ويدعمه الشيطان، وكل من هو خارج السودان إلا القليل والقليل جدا حيث لا يمثل أدنى فائدة بدون تكاتفنا.
وإن استجبنا، واستسلمنا له، وحملنا حقيبته، سوف تتلاشى خيرات السودان، وموارده ووسطها النيل، وهي تتفرج علينا.
وحينئذ سوف نندم، ولات ساعة مندم.
صحيفة الانتباهة