رأي ومقالات

لقد ذلّ مَن لا سفيه له !

1. يذْكرون في المصادر أن عبد الله بن عمر بن الخطاب كان إذا خرج في سفر أخرج معه سفيهاً فإن جاء سفيهٌ ردّه عنه.
2. وروى البيهقي في مناقب الشافعي عن المزني والربيع يقولان: سمعنا الشافعي يقول: لا بأس بالفقيه أن يكون معه سَفِيهٌ يُسَافِهُ به؛ وأنشد المزني بعد هذه الحكاية:
إنَّ مَنْ أَحْوَجَكَ الدَّهْرُ إليه … فتعرّضْتَ له هُنْتَ عليه
ويعقب المزني بقوله: هو صحيحٌ مجرّبٌ في السفهاء !
3. ولذلك تجد أن بعض أهل العلم والفكر يفرح عندما يتصدَّى للدفاع عنه بعض السفهاء غير المعتبرين، فهذا مما يقلل الهجوم عليه، ويدفع الشرّ بالشر، والسفاهة بالسفه الموازي له، فيُروى عن التابعي والفقيه مكحول الشامي، أنه كان في مجلسه العالِم الزاهد سليمان بن موسى، فجاء رجل فاستطال على سليمان بن موسى بالشتم، فسكت سليمان، فقام أخ لسليمان لذلك الرجل ورد عليه. فقال مكحول حينئذٍ: ذلّ من لا سفيه له!!
4. والطريف أن بعضهم يفهم الحديث الشهير “انصر أخاك ظالمًاً أو مظلوماً” ضمن هذا السياق.
5. ونحن نعلم أنه قد كثرت في هوامش مجتمعاتنا مجموعات توصف بالبلطجة، وخطورتها أنها بؤرة شر تتحرك بذاتها أو يسهل استئجارها لتنفيذ عمليات انتقامية أو تأديبية.
6. والدول الحديثة تستعين بهؤلاء في المهمات القذرة ويصطلحون على تسميتهم بالمرتزقة، يحصلون على أجور عالية مقابل مهماتهم؛ فيما تعمل دول أمنية نامية على استخدامهم سياسياً مقابل وقف ملاحقتهم أو تخفيف عقوبتهم أو التغاضي عن جرائمهم.
7. وتستعين الدولة الحديثة بإعلاميين من هذه الفئة السفيهة في نمط حملة دائمة على معارضيها ومخالفيها، وفتح النار عليهم، وإثارة المجتمع ضدهم، أو إشغال المجتمع عن قضاياه الحقيقية، وتفتح لهم ساعات طويلة في الشاشات وتمدّهم بجيش من المساعدين.
8. لا يوجد تنظير معاصر لنقل هؤلاء إلى مربع الإيجابية والاستفادة من ميولهم العدواني لتحقيق أهداف نافعة حيث يشتهر عنهم الالتزام والطاعة لمن يوالونه والوفاء والكرم أيضاً، مما يجعلهم مجتمعاً متماسكاً داخلياً في المجموعة الجامعة إلا أنه شديد الخصومة مع الفرقاء من المجموعات الأخرى.
9. كثيراً ما كنتُ أنادي بحاجة الحركات الوطنية ضد المحتل وإلى الحركات الثورية النبيلة إلى استيعاب هذه الفئة وتأطيرها في مهمات محددة وموضعية وليست عامة، فهم أقدر الناس على حماية المجتمع من السفهاء غير المنضبطين، أو القوى الاحتلالية المستبدة، وربما تكون الحاجة ماسة إلى ذلك في المجتمعات التي ما زالت تعاني من غلظة التبدّي وجفاء الاغتراب وقساوة الطبيعة ومن هيمنة النفوذ الأمني البلطجي؛ وكانت هذه الفئة مفضلة لدى بعض القيادات العسكرية الناجحة حتى إن المهلب بن أبي صفرة كان يقول: لأَن يُطيعني سفهاءُ قومي أحبُّ إلي من أن يطيعني حلماؤهم !
10. وقد كتبتُ في ذلك سِفراً صغيراً أوضحتُ فيه جوانب المسألة وجادلتُ فيه نفراً من قومنا ما زالوا يتعصّبون للمثال الأخلاقي في عدم جواز الاستعانة بهؤلاء، وهذا اجتهاد له وعليه، والأفضل عندي ألا نأخذ الأمر على أنه فتوى سائدة، فالاجتهاد هنا يختلف من ظرف إلى آخر.
د. أسامة الأشقر

‫2 تعليقات