أحمد يوسف التاي يكتب: خطوة جيدة ولكن..
(1)
تعهدات قوية من المجتمع الدولي بإعفاء ديون السودان ، ولاشك أن هذه الخطوة إذا تمت يكون السودان قد تخلص من عبءٍ ثقيلٍ تنوء بحمله الجبال الراسيات … هذه الخطوة أيضاً تأتي متزامنة مع مؤتمر باريس في السابع عشر من الشهر المقبل ، وانعقاد المؤتمر أيضاً خطوة أولى في طريق دمج السودان في المجتمع الدولي بعد عُزلة ومقاطعة دولية مزقت أوصال البلاد وأذاقت شعبها الويلات ، وبهذا يكون انعقاد مؤتمر باريس فرصة ثمينة للإعلان الرسمي لتفكيك تلك العزلة وتقديم السودان للعالم كمضمار جديد للسباق الدولي في مجالات الاستثمار المختلفة سواءً في مجال الزراعة أو الطاقة والتعدين والبنى التحية ونحوها…ويتزامن كل ذلك مع رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهذه كلها أمور إيجابية تدعو للتفاؤل ، وليس توسد الآمال والأماني… والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بوضوح: ثم ماذا بعد إعفاء الديون ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وتقديم السودان للعالم كفضاء جاذب للاستثمار من خلال مؤتمر باريس المزمع في مايو المقبل؟؟؟….فهل هذا كل ما يحتاجه السودان لينهض ويبني نفسه ومشروعه النهضوي…؟؟..
(2)
من كان يظن أن تطبيع العلاقات مع اسرائيل ، أو التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية ، ورفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ، والاندماج في المجتمع الدولي، أوتنفيذ سياسة صندوق النقد الدولي، واستقبال توصيات مؤتمر باريس المقبل، من كان يظن أن هذه الإجراءات هي كلمة السر لإنهاء معاناة السودانيين، وحل جميع مشكلاتهم الاقتصادية والسياسية والأمنية، فإنه بلا شك قد جانب الصواب …هذه الإجراءات بالطبع مهمة وضرورية جداً ولا أحد يقلل من أهميتها ولكنها ليست الجسر الآمن الذي سيمكن السودانيين من العبور إلى بر الأمان، لأن كل واحدة منها بثمنها الباهظ، وكل جهة إذا لم تأخذ أكثر مما تتوقع لن تعطي شيئاً ، فليكن ذلك واضحاً في أذهان القائمين على الأمر …التعويل على التطبيع مع اسرائيل والتماهي مع دعاة علمانية الدولة لإرضائهم واتباع الإملاءات الأمريكية على اعتبار أنها البداية الصحيحة في طريق العبور وإنهاء الأزمات والنهوض بالبلاد ضرب من ضروب الغباء والسذاجة…
ما يحتاجه السودان الآن للخروج من مستنقع الأوحال والأزمات هو إدارة متجردة وأمينة ونزيهة وعلى درجة من الكفاءة والخبرات ، فضلاً عن حكم رشيد وأرضية من الانضباط والحزم وفرض هيبة الدولة لتقف عليها دولة المؤسسات والقانون، فلو أن الأرض تفجرت ينابيع من النفط والذهب والفضة وكل أنواع المعادن النفيسة ، ولو أن السماء أمطرت سيولاً من «الدولارات» و»الاسترليني» و»اليورو» فإن كل ذلك سيذهب إلى جيوب كبار اللصوص ، ولتغذية الفتن وتأجيج الصراع القبلي وتذكية نيران التشرذم والانقسام مالم ينصلح حال الإدارة والحكم أولا، فما نشهده الآن صراع حزبي واستقطاب وتكويش لصالح مجموعات صغيرة بلا كسب ولاتأريخ ولا أخلاق ولامبادئ تمضي بذات الطريق الذي سارت عليه « الإنقاذ» وذات المنهج الفاسد.
(3)
نحتاج إلى ضوابط وقواعد ملزمة تكبح جماح رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان الذي يتصرف الآن على أساس أنه صاحب السلطة المطلقة يبرم المعاهدات ويتخذ القرارات الكبيرة والخطيرة في غياب المجلس التشريعي ودون استشارة مجلس الوزراء، والشيء نفسه يفعله رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وهويخاطب الأمم التحدة سراً كما يتخذ البرهان أخطر القرارات سراً، أهكذا تكون دولة المؤسسات والإدارة الحديثة والحكم الرشيد، فإن لم تُصحح هذه الأخطاء القاتلة فلن يفيدنا مؤتمر باريس ولا التطبيع ولا الاستثمارات الأجنبية ..اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائمًا في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة