مقالات متنوعة

التاج بشير الجعفري يكتب: النزاعات القبلية .. ما المطلوب لتفادي حدوثها؟


كثيرا ما يكون الاسترخاء – من جانب الجهات السياسية والتنفيذية – بعد كل نزاع يقع بين المكونات المختلفة سببا في حدوث آخر لانه لا تتم الاستفادة من الأحداث والتجارب السابقة في استنباط الحلول ومحاولة سد الثغرات في وجه أي صراعات محتملة، وإنما يتم التعامل (بالقطاعي) مع هذه المشاكل التي تتطلب معالجات سياسية واقتصادية واجتماعية تخاطب جذور هذه الصراعات والنزاعات التي تبدأ عادة صغيرة، وعلى شكل فردي احيانا، ثم ما تلبث ان تكبر وتصبح مهددا للأمن والسلم في المجتمع.
وقد حدثت عدة صدامات بين مجموعات مختلفة خلال الفترة الماضية واسفرت عن ضحايا، وهو ما يجب تفاديه من خلال اتباع آلية فعالة تستبق الأحداث وتخاطب جذور المشاكل التي تطفو على السطح وإيجاد حلول لها قبل أن تتطور إلى نزاع قبلي مدمر.
ولقد عرفت البيئة السودانية على مر العصور العديد من صور الاحتكاكات الخفيفة والنزاعات المألوفة بين مختلف المكونات ولكنها لم تصل للمستوى الذي بتنا نشاهده في السنوات الأخيرة، ففي الماضي كان التدخل سريعا من قبل الإدارات القبلية والأعيان في تلك المناطق وايضا بمساعدة زعماء الإدارة الأهلية وتدافعهم من كل اصقاع البلاد للجلوس والإصلاح بين الجهات والمكونات المتخاصمة دونما انحياز لأي طرف، وكان الجهاز التنفيذي في الدولة يعمد لإعطاء أولوية التدخل لمعالجة هذه النزاعات لزعماء الإدارة الأهلية وذلك لما يمتلكونه من خبرة ومعايشة فعلية لمثل هذه المشاكل الشيء الذي يسهل عليهم التوصل إلى حلول ترضي كل الأطراف.
ومع التسليم بالتغييرات الكثيرة التي طرأت على الحياة وما تسبب فيه الإعلام الجديد من سهولة في نشر المحتوى المثير للجدل والفتن وإثارة الكراهية بين الناس عموما، إذ شكلت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة سهلة لترويج الشائعات ونشر الآراء المثيرة للجدل والمحتوى الضار من كل حدب وصوب ودون رقيب او مساءلة، وما يمثله ذلك من أضرار للمجتمع وتهديد لمباديء التسامح والتعايش السلمي في كل المجتمعات والتي ظلت سائدة لمئات السنين.
كذلك يتمثل الخطر الأكبر في وصول هذا المحتوى الضار إلى الملايين من البشر بفضل الديناميكية التي تعمل بها هذه الوسائط الإلكترونية المستخدمة والتي تجعله ينتشر كالنار في الهشيم وخلال وقت وجيز، وهذا ما يجعل منه سلاحا فتاكا لنشر الشائعات وكل ما من شأنه اختلاق المشكلات وإثارة مشاعر الكراهية في المجتمع، وأبلغ دليل على ما أقول هو هذا الكم الهائل من الرسائل المتبادلة عبر مواقع التواصل الإلكتروني والتي تحمل الكثير من الحنق ومظاهر الكراهية والعنصرية وعدم القبول بالآخر فضلا عن ما يمثله ذلك من انقسام داخل المجتمع.
لذلك ينبغي على الدولة العمل على أصدار القوانين التي تجرم هذه الأفعال العنصرية والجهوية البغيضة والحد من آثارها السلبية، وهنا يجدر بنا المطالبة بتسريع تشكيل المجلس التشريعي لأهمية دوره في مناقشة واعتماد مشروعات القوانين والتشريعات ومراقبة أداء الجهاز التنفيذي في الدولة ومساءلة الوزراء ومحاسبتهم.
كذلك يجب الإسراع في إنشاء المحكمة الدستورية العليا لاهميتها في تحقيق الاستقرار السياسي والدستوري ودورها في حماية الدستور والحفاظ عليه بحكم أنها الجهة الوحيدة المخولة بتفسيره وتأويل نصوصه بالإضافة للفصل في النزاعات القانونية بين مختلف مؤسسات الدولة.
يجب على مراكز البحوث والدراسات ان تلعب دورها في دراسة وتحليل هذه التغيرات المجتمعية وأسبابها وكشف العوامل التي تغذيها والعمل على طرح الحلول والرؤى وتوفير النصائح والمقترحات للجهات السياسية والتنفيذية، بالإضافة لتنظيم الندوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية لتنوير جميع فئات المجتمع ونشر قيم التسامح والتعايش السلمي بين الناس بكافة اطيافهم ومعتقداتهم.
لا شك ان لدينا الكثير من بذور المشاكل التي قد تهدد السلم المجتمعي في بلادنا ولذلك يجب علينا الإنتباه لمناقشتها والوصول لمسبباتها الحقيقية والقضاء عليها بايجاد الحلول المناسبة لها قبل أن تتفاقم.

يبقى الدور المهم والاساسي على أجهزة الدولة السياسية والأمنية والعسكرية والتي يجب عليها أن تفرض هيبة القانون وتكثف الجانب الاستخباري لتفادي ومنع وقوع مثل هذه الحوادث الماساوية، فالحلول الاستباقية هي السبيل الوحيد لتفادي الخسائر التي تتسبب فيها مثل هذه الحوادث وتداعياتها والتي يجب العمل على تفاديها بكل السبل الممكنة.

صحيفة الانتباهة