مقالات متنوعة

زين العابدين صالح عبد الرحمن يكتب: ديمقراطية العدالة المفقودة

الأسبوع الماضي كان حافلا بالخطابات السياسية علي موائد الأفطار. ركزت القيادات العسكرية في خطاباتها علي كيفية نجاح الفترة الانتقالية، و الخروج من شرنقة الأزمات المتواصة، و تم التأكيد أن نجاح الفترة الانتقالية يعني العبور للفترة التي تليها، و هي الفترة التي تشكل حرجا سياسيا للذين لا يملكون رصيدا اجتماعيا، بينما تحدث الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة على منصة مائدة التجمع الاتحادي داعيا لوحدة الاتحاديين من أجل إنجاح الفترة الانتقالية، لكي يلعبوا الدور المناط بهم و هي إشارة أن أغلبية الاتحادين خارج دائرة الفعل السياسي للدولة. و أيضا تحدث الفريق أول محمد حمدان دقلو علي مائدة القوى الشعبية، و قال أن الاستقرار في هذه البلاد يتطلب الوفاق الوطني، و قال أن قضية العلمانية هي قضية يجب أن تطرح في المؤتمر الدستوري لكي يقول الشعب فيها كلمته، و قال أن الشيء الملفت أن القوى السياسة قد نسيت قضية التحول الديمقراطي، و ركزت علي الوظائف و المحاصصة. و قال الديمقراطية يعني أن يختار أعضاء السلطة من قبل الشعب. و قال لابد من عملية التحول الديمقراطي و الذهاب لصناديق الاقتراع.
رغم أن كلمة حميدتي كانت تحمل إشارات عديدة، لكن لم يتم عليها تعليق من قبل ممثلي القوى المشاركة في سلطة الفترة الانتقالية، هي بمثابة إنتباهة أن المسير ليس في اتجاه العملية الديمقراطية، و أن القوى السياسية التي تشارك في سلطة الفترة الانتقالية لم تنس قضية التحول الديمقراطي، بل كانت تمثل شعارات مرحلة تحتاجها لكي تعبر بها. أن عملية التحول الديمقراطي أول ما تحتاجه هو الإيمان بالفكرة، و الثاني أن تمثل لهم العمود الفقرى لمرجعياتهم الفكرية، و الثالث وجوب استخدام الأدوات التي تتلاءم مع الديمقراطية، رابعا الإيمان بالعدالة و كل تفاصيلها و إجراءاتها ، باعتبار أن العدالة تمثل الركن الأساسي لأي نظام ديمقراطي.
أن ما جاء في كلمة نائب رئيس لجنة إزالة التمكين محمد الفكي عضو مجلس السيادة في مؤتمر اللجنة الأخير، توضح غربة الديمقراطية، و غياب ثقافتها عند الذين يتجملون فقط بشعاراتها، فالفكي قال قضيتين مهمتين الأولى أنهم سوف يسيرون لإزالة التمكين، و محكمة الاستئنافات يجب أن تسأل عنها الجهة التي مناط بها تكوين محكمة الاستئناف، و التي يلجأ لها كل الذين تمت مصادرتهم أو إبعادهم من وظائفهم. و هنا مربط الفرس؛ أقول للفكي أن الذي يؤمن بالديمقراطية و فكرها و العدالة لا يمكن أن يمارس عمليات مصادرة و إقالة قبل أن تكتمل إجراءات و مؤسسات العدالة من محكمة استئناف و محكمة دستورية. و الهدف كما ذكرت من قبل لأنها ترسخ عرى الديمقراطية في المجتمع، و تعطي دروسا للجماهير كيف تؤسس مباديء الديمقراطية. لكن للأسف السير في هذا الطريق لن يعبد غير طريق الديكتاتورية، كنت اعتقد أن رؤى الشيخ علي عبد الرحمن قد تجاوزتها تجارب النضال من أجل الديمقراطية، لكن للأسف رؤاه التي أدت إلي انقسام الوطني الاتحادي و التحالف مع آخرين، جعلته ينحرف إلي طريق العسكر في عهد عبود، و الآن ورثة فكره يسيرون في ذات الطريق. الثاني قال الفكي أنهم لا يعادون الأفكار و لكنهم لن يسمحوا لحزب المؤتمر الوطني بممارسة نشاط سياسي. هذا ليس صحيح؛ أنتم تعادون الأفكار، لذلك تجمعون كل الإسلاميين في سلة المؤتمر الوطني، و هي فكرة واردة من الخارج. و الذي يجب أن يعرفه عضو مجلس السيادة أن المؤتمر الوطني لم يسقط بانقلاب أو بعمل مسلح من قبل المعارضة و لا مظاهرات نظمتها مجموعة الأحزاب، بل اسقطته جماهير الشعب السوداني، و بالتالي لا مكان لعودته. و انتم مقتنعون بذلك، لكن تريدون استثمار محاربة الإسلاميين باعتبار أي نشاط لهم تعتبرونه نشاط المؤتمر الوطني، هذا السلوك النابع من الأفكار الأوحادية و تمت ممارسته في العديد من دول المعسكر الاشتراكي السابق و نظامي صدام و الأسد لا ينطلي علي أحد. لماذا لا تستفيدون من تجارب الديكتاتوريات التي مرت علي البلاد، و تؤسسوا نظاما ديمقراطيا مقبول من قبل الجميع.
و من قال أن إزالة التمكين، و محاسبة الذين ارتكبوا جرائم حرب، و استغلال المال العام، أو استغلال الوظائف للمنافع الشخصية، لا يمكن أن تتم بأجراءات العدالة، بل تكون أكثر جرحا و إلاما لهم، من هذه الإجراءات التي تنادي بها مجموعة بعينها ليس لها في الديمقراطية صالحا. الذين يقفون مع انحرف العدالة لكي يجعلونها سابقة، هم الذين يخططون من أجل بناء الشمولية الجديدة. البعض يعتقد أن النائب العام قد عطل إجراءات العدالة و لم تتم محاسبة الناس، و هناك الذين أصدروا بوسترات بأن الرجل من قبيلة الكيزان. و نسألهم و نسأل محمد الفكي عضو مجلس السيادة من الذي رشح السر الحبر لكي يكون نائبا عاما هل هم الكيزان؟ أم تم ترشيحه و اختياره من قبل قوى الحرية و التغيير؟ أنها بالفعل معركة سياسية بين قوى ديمقراطية ساعية لعملية التحول الديمقراطي، و قوى أخرى جاءت في زحمة الأحداث و استغلت ظرف سياسي اجتماعي لصالحه،ا و لكنها لن تنجح في ذلك، فالديمقراطية لها طريق واحد و أن تعددت أشكالها. يقول المحامي نبيل أديب عن استقالة النائب العام “جاءت نتيجة لقرار لجنة إزالة التمكين الذي فصل بموجبه عدد من و كلاء النيبابة و القضاء من الخدمة و هو أمر ينتهك استقلالية النيابة العمومية الذي أخذت به الوثيقة الدستورية باعتباره مبدأ أساسي متفرع من مبدأ استقلال القضاء” و بالفعل لقد تم ذبح العدالة.
كثير من السياسيين و حتى المحللين يهربون من قول الحقيقية. و هي بعد انحياز أفراد لجنة البشير الأمنيه للجماهير و سقوط نظامه الذي بعده تهاوت عروش الإنقاذ، كانت هناك قوى سياسية تعتقد أنها تستطيع أن تستغل الشارع بهدف فرض شروطها علي الآخرين، و أنها سوف تسطو علي السلطة من خلال تحالف جمعت له العديد من منظمات بعضها تكون في ذلك الأثناء و البعض الأخر جزء من حيازتها، و لتحقيق الهدف؛ بدأت تصدر العديد من الشعارات التي تستخدمها كفزاعات لتخويف الناس، حتى يحجموا عن ممارسة النقد فشعار ” أي كوز ندوسو دوس” الهدف منه أن يكون فزاعة ضد أي معارض لفعل ينتج عن هذا التحالف، أو ضد الحزب المعني، و هؤلاء في غفلة نسوا أن طرح قضية السلطة إذا لم تكن متمكنا من أدواتها و القوى التي داخل الحلف الذي تتزعمه، سوف تخسر المعركة. و هذا الذي حصل. لكن الذين استطاعوا أن يسيروا في طريق التحالف، أردوا أن يستخدموا تلك الفزاعات في وقف أي نقد أو معارضة لهم، ثم جاءوا بلجنة إزالة التمكين لكي تصبح أداة أيضا تكون فزاعة. و الآن تمارس ضد عناصر المؤتمر الوطني و الإسلاميين، و غدا ضد أي معارض لسلطتهم، و دلالة علي ذلك أهملوا قضية العدالة تماما، و جعلوا قضية التحول الديمقراطي شعارات معلقة في الهواء دون تنزيلها علي الأرض لماذا؟ أن القوى التي لا تملك قاعدة اجتماعية إما أن تنتظر لكي تستقطب عضوية من الأجيال الجديدة، و هي تحتاج لفترة طويلة، أو أن تستخدم أدوات غير ديمقراطية، و بالتالي هي ليست مضمونة أن تحدث تحولا ديمقراطيا في البلاد. نسأل الله حسن البصيرة.

صحيفة الانتباهة