عثمان ميرغني يكتب مصلحة الساسة.. أم الشعب؟
مصلحة الساسة.. أم الشعب؟
بدون أدنى شك، مجمل الأزمة في السودان تتركز حول “المصلحة”، مفترق الطرق بين المصلحة القومية للبلاد ومصالح الساسة والحكام.. ولأن (الفي إيدو القلم ما بيكتب نفسو شقي) فإن الساسة الذين بأيديهم القلم يختارون مصالحهم السياسية والشخصية رغم أنف الشعب الذي أتى بهم إلى السلطة.
سأضرب لكم مثالاً لا يقبل الجدال..
مجلس السيادة؛ قيل للشعب السوداني – المسكين – أن المجلس يجب أن يعبر عن أقاليم السودان، وبالدراجي (لازم كل سوداني يشوف نفسه فيه).. وبهذا المنطق فإن العدد المهول في رأس الدولة الذي بدأ بـ(11) يفترض أنه عدد تمثيلي، يمثل المكون العسكري بتنوعاته وتخصصاته، والمدني بأقاليم السودان المختلفة.. وحتى المرأة والأقليات أيضاً.. هل أحد منكم (شاف نفسو في تمثيل المجلس؟)، بعبارة أخرى هل أحس مواطنو جنوب كردفان مثلاً بالراحة الوطنية لأن البروفيسور صديق تاور يمثلهم في مجلس السيادة؟ أم مواطنو غرب السودان مع التعايشي أو الوسط مع الفكي أو الشرق مع شيخ إدريس؟ هل عكس هذا التمثيل أشواق الأقاليم السودانية في مشاركة السلطة؟
وبعد توقيع اتفاق السلام نصت الوثيقة الدستورية على منح القادمين عبر بوابة السلام من جوبا ثلاثة مقاعد، وبمنطق سهل وبسيط ومباشر فإن مجموعة السلام ينحدرون من ثلاثة أقاليم، دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وبالضرورة يعني دخولهم مجلس السيادة أنهم سيمثلون السلام و الأقاليم التي ينحدرون منها.. وبهذا المنطق السهل فلا حاجة لإضافة ثلاثة مقاعد سيادية بل إحلال وإبدال في المقاعد الأصلية، فيظل العدد “11” بخروج ثلاثة قدامى ودخول ثلاثة قادمين.. دون الإخلال بمبدأ التمثيل المناطقي.
هذا المنطق يفترض أن المطلوب مجلس سيادة لا يرهق كاهل الشعب السوداني ويحافظ على فكرة التمثيل الإقليمي ويضاف له تمثيل مجموعة السلام.. لكن الواقع يقول إذا تعارضت مصلحة الساسة مع مصلحة الشعب فليذهب الشعب إلى الجحيم ويبقى الساسة.. ولهذا أضيفت ثلاثة مقاعد سيادية ليس لأن الوضع يتطلب ذلك بل لأن الساسة لا يتنازلون عن مصلحة اكتسبوها من أجل عيون الشعب “المكتول كمد”..
ويسري هذ المنطق على مجلس الوزراء، زيادة عدد الوزارات ، بل تقسيم بعض الوزارات لا لضرورات عملية أو فنية بل لإجلاس أكبر عدد من الساسة، فليس المطلوب وزارة تعمل بكفاءة بل كراسي تتيح الفرصة لأكبر عدد من ركاب الدرجة الممتازة في بلادنا..
هذه الدائرة الجهنمية من المصالح السياسية والشخصية هي التي أودت بكل العهود الحزبية السابقة في تاريخ السودان، كان دائماً الشعب السوداني يضحي بدمائه للإطاحة بالدكتاتوريات، ثم يتسلم الساسة الحكم بمنتهى شح النفس والأنانية الحزبية والشخصية فتكون النتيجة فشل الحكم التعددي وعودة الدكتاتوريات على ظهور الدبابات..
وما أشبه الليلة بالبارحة، الآن الدولة السودانية في حالة انهيار شامل، والساسة مشغولون حتى النخاع بحرب “ذات المقاعد الدستورية”.. وستنتهي اللعبة بصافرة طويلة من الحكم وهو يشير إلى ساعته بانتهاء الزمن..
صحيفة الجريدة