مقالات متنوعة

رمزي المصري يكتب: الذهب لعنة السودان


بداية دعنا نقول ان وجود الذهب في ارض السودان قديم قدم انسان السودان نفسه
حتى تسمية ارض النوبة في شمال السودان مرتبط بوجود الذهب . والذهب يسمي باللغة النوبية ( نب) ويقول العلماء ان الكلمة تم تحريفها مع مرور الزمن من ( نب) الى ( نوبه) وارض النوبة تعني ارض الذهب .

واكتشاف الذهب في تلك المنطقة يعود لفترة زمنية موغلة في القدم منذ عهد الممالك النوبية الاولى مرورا بالاحتلال التركي للسودان وبنسب الى محمد على باشا انه قال ( نريد احتلال السودان للحصول على الرجال الاشداء للجيش والحصول على الذهب ) .

ووجود الذهب ليس حكرا على الشمال ولكنه ايضا متواجد في شرق السودان والنيل الازرق وبعض مناطق دارفور وجبال النوبه في كردفان .
هذا ما يقوله التاريخ عن الذهب في السودان . وكانت هناك شركات معروفة تنقب عن الذهب منذ عشرات السنين مثل شركة ارياب في جبال البحر الاحمر . في بداية هذه الالفية بدأ ظهور التعدين الاهلي في عدة مناطق من شمال السودان وبتشجيع من الحكومة التي فقدت بترول الجنوب بعد الانفصال ووجدت الحكومة ضالتها في الذهب لسد الفجوة في العملة الاجنبية وبدأ التعدين الاهلي يتمدد حتى شمل السودان كله تقريبا وبتشجيع من الدولة كما أسلفت . ودخلت مئات الشركات في مجال التتقيب عن الذهب .

وفي سنوات قليلة جدا اتجه ملايين السودانيين الى مجال التعدين الاهلي او دعنا نسميه التقليدي او العشوائي واختلط الحابل بالنابل وفجأة تحول السودان كله الى حفرة عميقة واصبح نصف الشعب السوداني داخل هذه الحفرة العميقة ( الا من رحم ربي ) اما معدنا او بائعا او مشتريا او مقدما خدمة توفير الماء والسكن والعلاج والترفيه المباح واحيانا غير المباح لهؤلاء المعدنون.

وبطريقة دراماتيكية تحول كل الشعب السودان واقتصاده وحياته مرتبطا بهذا المعدن الاصفر الذي يسمى بالذهب .
وهجر المزارعون اراضيهم الخصبة وتخلى الرعاة عن قطعانهم وترك العمال مصانعهم واتجهوا الى مناطق التعدين .

ومارس المعدنون في مناطق التعدين أسوأ تدمير للاراضي ولم يسلم من هذا الخراب والدمار لا الاراضي الزراعية الخصبة ولا المناطق الاثرية وخاصة في شمال السودان حيث تمت سرقة وإتلاف مئات المناطق الاثرية وتجريف مئات الافدنة الصالحة للزراعة حتى تحولت بعض المناطق وكأنها ضربت ( بضم الضاد ) بقنبلة نوويه !! .

هناك اراضى زراعية قل ان تجد مثلها في العالم تم تجريفها وحفرها بحثا عن هذا الملعون الذي يسمي بالذهب مثال مشروع خيرنتود في مدينة عبري في اقصى الشمال حيث تم تدمير الارض في اجزاء واسعة من حرم هذا المشروع . تربة طينية من ( القريره ) وهي من اجود انواع التربة في العالم تم جرفها بحثا عن الذهب

وكما قلت لهم لو تم شحن هذه التربة لدول اوربا لكان دخلها اعلى من قيمة الذهب الذي تبحثون عنه . وما حدث في مشروع خيرنتود هو مثال واحد فقط لما يجري في كل انحاء السودان من تدمير وخراب للتربة .

ووسط كل هذا الخراب والدمار للارض والانسان والحيوان نتيجة لاستخدام المواد الممنوعة عالميا مثل السيانيد لاستخلاص الذهب يقول لنا رئيس جمعية مصدري الذهب ان السودان انتج خلال العام ١٠٠ طن من الذهب وما تم تصديره لا يتجاوز الستة اطنان من الذهب عن طريق بنك السودان !! هل هناك مصيبة او فجيعة اكبر من هذا في هذا الوطن ؟؟

دمرنا الارض ولوثناها بالسيانيد وهجرنا الزراعة وتوقفنا عن تربية الحيوان واقفلنا المصانع وهجرنا مقاعد الدراسة في الفصول فقط لتصدر الدولة ٦ طن من الذهب من إجمالي انتاج بلغ ١٠٠ طن . اين ذهبت بقية الاطنان المنتجة والتي تبلغ ٩٤ طن ؟؟

ذهبت لجيوب بعض الافراد او الجماعات او الشركات وانتفخت اوداجهم وجيوبهم بالمليارت من الدولارات .
ويتم التهريب ( وعلى عينك يا تاجر اما عن طريق مطار الخرطوم او منافذ العبور لدول الجوار) ويتم التهريب عن طريق نافذين في الدولة او السلطات الامنية المنوط بها حفظ الامن ومنع التهريب !!

لذا قلت في عنوان المقال ان الذهب هو لعنة السودان الحقيقية . ماذا جنينا من الذهب غير الخراب والدمار والفساد والافساد ؟ وماذا جنت حكومتنا الانتقالية من هذا الذهب وماذا ستجني ؟

نعم هناك افراد بنوا القصور وامتطوا الفارهات وكدسوا الدولارات في بنوك العالم ولكني اتحدث عن انسان السودان البسيط الذي بالكاد يسد رمق جوعه .. ماذا استفاد هذا الانسان غير ان فقد ارضه التي كان يزرع ويرعى فيها وفقد اثاره التاريخية التي كنا نباهي به العالم وتم تلويث بيئته النظيفه التي كان يعيش فيها واصبح معرضا لهذه السموم والتي تسبب له كثير من الامراض التي لا علاج لها .
والذهب يحتاج الى مقالات كثيرة لكشف كل الجوانب المخفية في عالم الذهب ودهاليزه واسراره وما قلته هو مجرد ذرة في هذا المحيط القذر الذي دمر ارض السودان وشبابه ورجاله وربما نعود لذات الموضوع مرة اخرى ان كان في العمر بقية

ألست محقا عندما اقول ان الذهب لعنة السودان ؟؟
كان الله في عوننا

رمزي المصري

صحيفة السوداني