أبوعبيدة عبد الله يكتب :فوضى الخرطوم بالليل
الخرطوم بالليل إذا أتيحت لأي أحد من القراء الأعزاء التجوال بعد الساعة الثانية صباحًا في الخرطوم بمحلياتها المختلفة – وبلا شك التجوال في تلك الساعات قسرياً- سيكتشف القارئ زيف الخرطوم ووسخها والفوضى التي تضرب شوارعها جراء المارة في الطرقات راكبين وراجلين.
اتصل بي في الساعات الأولى من صباح أمس الأول بن خالتي (معاذ) ليخبرني بأن ابنته ذات الثلاثة أشهر قد سلفت- نسأل الله أن يخلف لهما- ولأنه كان متصلًا من مدينة بورتسودان كان لزاماً علي أن أصل إلى منزله في أمبدة الـ (38) بأمدرمان، وأنا بالحلفايا في بحري.
الشوارع في تلك الساعة تخلو من المارة تماماً، الظلام يحيط بك من كل الاتجاهات، لا تستطيع أن تسير بسرعة عالية، فالحفر والمطبات العشوائية تقف عائقًا أمامك، ليس هناك أي مظهر لانتشار شرطي أو دوريات متحركة أو مرتكزة إلا في مداخل الكباري، تقف أمام الشرطي يرمقك بنظرة إن استلطفك أو اطمأن لك أشار لك بيده للمرور، وإن أراد أن يمارس عمله بكل مهنية طلب منك شهادة بحث السيارة والرخصة.
ليس هناك قانون في تلك الساعات يحكم الطرقات في الخرطوم، فسيارات بلا لوحات تتحرك بكل أريحية وبسرعات جنونية، وتعكس الشوارع أحياناً، فلا إشارات مرور يتم الالتزام بها ولا قواعد مرور، ولا قانون يحتكم له.
في الجزء الغربي من سوق ليبيا الشهير يرتكز حوالي أربعة أفراد من الشرطة على ظهر مواتر يتسامرون بينهم، ليس لديهم أي هيبة تدعو مرتكب الجريمة للتفكير مراراً وتكراراً لارتكاب أي جريمة.
وحينما تتذكر الحديث عن السيولة الأمنية خاصة في الخرطوم، ينتابك إحساس كأنما الشرطة لا تريد أن تفرض هيبتها، وتمارس دورها في العمل المنعي الذي يمنع وقوع الجريمة قبل ارتكابها، بالانتشار في الشوارع، وسرعة الاسجابة لنداءات الاستغاثة.
في كل دول العالم تنجح الشرطة بالوصول للمجرمين في وقت وجيز من ارتكاب الجريمة عبر أجهزة اتصال – غير الموبايل- وكاميرات مراقبة، لكن شرطتنا لم نشاهد في أيدي أفرادها أي أجهزة اتصال، لا تتأثر بضعف الشبكة أو انقطاع التيار أو التشويش، وإن كانت في فترة سابقة في عربات الـ(999)، أما الكاميرات فمنتشرة في تقاطعات محددة، وتكاد لا تغطي (90%) من العاصمة، وإلا لما تجرأ مرتكبو (9) طويلة على تنفيذ عملياتهم في وضح النهار ومنتصف الأسواق، يمارسون هوايتهم كل يوم وتلقطتهم الكاميرات الخاصة والعامة دون الوصول إليهم.
استخدام التقنية الحديثة يمنع انتشار الجريمة، ويمنع الشرطي نفسه من أن يقع في دائرة الاتهام والاشتباه في أنه متواطئ أو مرتشٍ.
الخرطوم بالليل وبالنهار تحتاج لارتكازات شرطية متناغمة فيما بينها، وعامل السرعة هو الوحيد الذي يقضي على المجرمين قبل أن يفعلوا فعلتهم ويغلقون الهاتف المسروق أو يمسحون آثار الدماء المتبقية من أسلحتهم على بناطلينهم الناصلة، وهم يستأنسون برواية العملية التي نفذت بنجاح ويخططون للأخرى.
صحيفة الجريدة