التاج بشير الجعفري يكتب: الإصلاحات الاقتصادية .. ماذا تحقق؟
يتساءل الكثيرون عن نتائج السياسات والإجراءات الاقتصادية والمالية التي تم تطبيقها خلال الفترة الماضية والمتمثلة في رفع الدعم عن السلع والمحروقات وتحرير سعر العملة الوطنية (الجنيه) وما نتج عن ذلك من إنفراط في عقد الأسعار بصورة كبيرة الشيء الذي فاقم من صعوبة الحياة بشكل كبير بحيث أصبح الحصول على أساسياتها من المستحيلات للسواد الأعظم من الناس.
واود أن اشير هنا للبرنامج الذي تنفذه الحكومة وتتم مراقبته بواسطة موظفي صندوق النقد الدولي (SMP) والذي تنتهي مدته بنهاية شهر يونيو الحالي، والهدف منه هو مساعدة الحكومة على إنشاء سجل إيجابي من الإصلاحات الإقتصادية والإجراءات السليمة تمكنها في نهاية المطاف من الإيفاء بمتطلبات مبادرة الهايبيك (HIPC) لإعفاء ديون الدول الفقيرة المثقلة بالديون، وبفضل هذه الإجراءات التي تم تطبيقها وفقا لهذا البرنامج استطاعت البلاد إعادة علاقاتها مع المؤسسات المالية الدولية، هذا بالإضافة للمؤتمرات التي عقدت لمساعدة السودان بدءا بمؤتمر الرياض لمساعدة السودان، ومرورا لمؤتمر برلين لشركاء السودان، وصولا لمؤتمر باريس للإستثمار الذي عقد بالعاصمة الفرنسية في شهر مايو الماضي وكان الهدف منه الترويج للفرص الاستثمارية الكبيرة في البلاد وكذلك لفت نظر المستثمرين للتغييرات الإيجابية كصدور قانون الاستثمار الجديد وقانون الشراكة مع القطاع الخاص وكذلك تحرير سعر الصرف والتي من شأنها جميعا تهيئة وتعزيز مناخ الاستثمار في السودان. إلا أن السودان لم يحصل على النتائج المرجوة من مؤتمري الرياض وبرلين وقد يكون السبب في ذلك انشغال الدول بمعركتها ضد فايروس كورونا ولكن يبقى الأمل في أن يحقق مؤتمر باريس الهدف المنشود وهو تدفق الاستثمارات الأجنبية على البلاد.
أيضا كان من ضمن ما تمت مناقشته خلال مؤتمر باريس إمكانية إعفاء ديون السودان التي تبلغ اكثر من 60 مليار دولار، ورغم ان بعض الدول وعدت بإعفاء ديونها (فرنسا، ألمانيا والنرويج) إلا أن مثل هذه المؤتمرات قد لا تساهم كثيرا في حل مسألة الديون نسبة لارتباط الأخيرة بمتطلبات محددة يجب الوفاء بها، مع عدم اغفال دور مثل هذه المؤتمرات في تسليط الضوء ودعم حق السودان في الحصول على إعفاء كامل من هذه الديون التي تراكمت بسبب الظروف التي مرت بها البلاد في الفترة الماضية.
ولكن بالمقابل ورغم كل هذه الإشراقات المهمة والانفراجة الكبيرة على صعيد العلاقة مع الدول والمؤسسات المالية العالمية، إلا أنه لم يطرأ أي تحسن على المؤشرات الاقتصادية كما لم يحدث اي تغيير إيجابي على أحوال الناس المعيشية، بينما المفروض ان تبدأ الأنشطة الاقتصادية، مع مرور الوقت، في الانتعاش والتحسن للأفضل وأن تتحرك عجلة الإنتاج كنتيجة طبيعية لهذه الإصلاحات التي تم تطبيقها إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث!! بل على العكس تماما عادت أسعار العملات الأجنبية مرة أخرى للارتفاع مقابل العملة المحلية حيث تخطى سعر الدولار في السوق الرسمي حاجز ال 420 جنيه بعد استقرار نسبي لبعض الوقت، ايضا اصبحنا نرى مستويات متزايدة وغير مسبوقة للتضخم إذ بلغ 363% بنهاية أبريل الماضي على الرغم من الموازنة الطموحة التي أعلنتها الحكومة بداية هذا العام وكان من ضمن أهدافها الرئيسية تحقيق النمو والاستقرار والإصلاح الاقتصادي، كما وعدت بتحقيق بمعدل نمو 1% في الناتج المحلي الإجمالي وتخفيض الصرف الحكومي بنسبة 24% وكذلك خفض معدل التضخم إلى 95% بنهاية العام، فأين نحن من كل ذلك؟ وهل تسير الأمور كما تم التخطيط له في الموازنة؟
وبما أن واقع الحال (حتى الآن) يعطي صورة مغايرة تماما لما هدفت الموازنة لتحقيقه فإنه يحق لنا أن نتساءل عن حقيقة الوضع خاصة والموازنة تقترب من إنهاء نصفها الأول ولم يصدر حتى الآن أي تصريح رسمي عن أداءها في جوانب تحقيق الإيرادات والالتزام بما تمت إجازته للصرف على القطاعات الإنتاجية والخدمية وكذلك ما تم استدانته من النظام المصرفي خلال الفترة المنتهية من الموازنة.
لا أود أن أبدو متشائما في الحكم عن ما ستكشف عنه بيانات الأداء الفعلي للموازنة العامة ولكن ظاهر الأمر لا يوحي بأنه يبشر بخير وإلا فلماذا لم تعلن وزارة المالية البيانات الفعلية للربع الأول من الموازنة؟
لقد درجت وزارة المالية على نشر البيانات الفعلية للموازنة ضمن كتيب مقترح الموازنة للعام الجديد وهذا يجعل منها أمرا واقعا يجب التسليم والقبول به، حيث لا مجال لتصحيح الانحرافات، لذلك ينبغي نشر البيانات الفعلية للموازنة على أساس ربع سنوي لمزيد من الشفافية ولغرض تصحيح المسار.
أما إذا لم تستجيب السلطات المالية لضرورة نشر البيانات الفعلية لأداء الموازنة فإن ذلك يعني ان الأمور لا تسير وفقا لما خطط له وهذا يؤكد اننا ندور في نفس الدائرة المفرغة ولم نبارح مكاننا بعد.
إن المواطنين الذين دعموا وساندوا برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي بصبرهم وتحملهم لهذه الإجراءات الاقتصادية القاسية من حقهم معرفة حقيقة الوضع وكيف تسير الأمور، لذلك نأمل أن تستجيب السلطات المالية لذلك.
ولنا عودة للموازنة العامة!!
صحيفة الانتباهة