احمد يوسف التاي يكتب: الانتحار والمغامرة
(1)
يبدو حال الحكومة وهي ترتجل قرار زيادة الوقود بنسبة 100% ليس كحال الذي يقفز قفزةً في الظلام وحسب بل زادت على ذلك أن أغمضت عينيها ثم قفزت دون أن يطرف لها جفن، وكيف يطرف لها جفن وهي معصوبة العينين تقفز في الظلام، مثل طائر العنقاء تماماً، ذلك الذي يقفز في الظلام دون أن يحسب حساب أي شيء ودون اكتراث للنتائج…
قد تبدو صورة الحكومة فظة غليظة القلب وهي تجرؤ على هذه الخطوة القاسية على الشعب… وقد تبدو وكأنها تتحدى شعبها أو كأنها تُغامر أو تحاول الانتحار، لأن هذا القرار الذي جاء في وقتٍ حساس للغاية وفي ظروف غاية في الدقِّة أشبه بعود الثقاب المشتعل وهو يلامس أوضاعاً متفجرة جاثية على برميل من البارود وقد بلغت منتهاها تنتظر لحظة الاشتعال الشامل… أقول إن القرار اشبه بمحاولة الانتحار لأن الانفجار الذي ربما يحدثه هذا الإجراء ستلتهم ألسنته قادة ورموز هذه الحكومة الغافلة أولاً… ومع ذلك تبدو ـ أي الحكومةـ سادرةٌ في غيِّها لا تعي ما ينتظرها جراء هذه المغامرات غير محسوبة النتائج.. فقبل أن يفيق الشعب من زيادة فاتورة الكهرباء والماء التي وصلت خمسة أضعاف، جاء قرار زيادة الوقود والذي سيضاعف أسعار كل السلع والتراحيل والنقل والمواصلات بأكثر من 100% ، في وقت تسربت فيه معلومات شبه مؤكدة عن زيادة جديدة للكهرباء تصل إلى 80%..!!!.. وهي لا تزال تمتحن صبر الشعب..
(2)
البيان الحكومي حاول التبرير للقرار مشيراً إلى أن الدولة تنفق حوالي “مليار” دولار سنوياً دعماً للمحروقات، وأن هذا القرار يأتي في إطار سياسة الدولة الرامية لإصلاح الاقتصاد الوطني وتأسيس بنية تمكن مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من التعامل مع مؤسسات “التمويل الدولية… بمعنى أن البيان الحكومي يريد أن يقول آن للدولة أن تستريح عن دفع “مليار” دولار سنوياً طالما أن الشعب يستطيع دفعها وبإمكانه أن يدفع أكثر منها… يحدث هذا للشعب السوداني المطحون ووزير الصناعة ابراهيم الشيخ يخاطب أهل البحر الأحمر أمس ويؤكد لهم اهتمام الحكومة بمعاش الناس وتحقيق التنمية المستدامة ..!!!.. أليس في هذا الخطاب كذب صريح يتناقض وواقع الحال، فالحكومة لم تهتم يوماً بمعاش الناس ولم تفعل خطوة واحدة تبرهن على أنها تهتم بمعاش الناس ، فلا داعي للكذب فالناس يبصرون ويعيشون هذا الواقع المزري…
(3)
الحكومة قالت في تبريرها للقرار الخطأ في الوقت الخطأ : (إن القرار يأتي في إطار سياسة الدولة الرامية لإصلاح الاقتصاد الوطني).. ونقول كذبت الحكومة … فإذا كانت هذه الحكومة تريد فعلاً إصلاح الاقتصاد كان عليها أن تجتهد في منع تهريب الذهب عبر مطارها الدولي “الخرطوم” ولمنعت تهريب الوقود “الذي كان مدعوماً” إلى دول الجوار، وكذا تهريب الدقيق المدعوم ، والصمغ العربي والإبل والآثار… ولو كانت الحكومة تريد إصلاح الاقتصاد حقاً لاجتهدت في محاربة تجارة الدولار والمضاربات ، وفوضى الاستيراد والتصدير وتزوير العملة وفوضى حصائل الصادر… ولو كانت تريد الحكومة إصلاح الاقتصاد لعالجت ملف تصدير الثروة الحيوانية وتكرار إرجاع البواخر… ولو كانت الحكومة تريد الإصلاح الاقتصادي ومنع التشوهات لأحكمت سيطرتها على ولاية المال العام عبر وزارة المالية ولما كانت 95 % من الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي ، ولو أنها تريد الإصلاح الاقتصادي لاجتهدت ولو قليلاً في محاربة النشاط الطفيلي الإجرامي ولدكَّت معاقل الاقتصاد الموازي الذي يديره أصحاب المصالح من الكبار، ولو أنها تريد الإصلاح الحقيقي لما سمحت لمنسوبيها وحاضنتها السياسية بالمحاصصات والترضيات وإسكات الانتهازيين بالمناصب والمواقع وشراء صمتهم… ولو أنها تريد الإصلاح الاقتصادي لشجعت الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي ، لكنها لا تريد إلا إرهاق المواطن وطحنه…
(4)
للأسف الحكومة ترى الإصلاح الاقتصادي في زيادة أسعار الوقود والكهرباء والمياه فقط ، بل وترى الإصلاح الاقتصادي أيضاً في استيراد كريمات “الفسخ” ولعب الأطفال ، والنبق الفارسي و“اللالوب البلجيكي“، أو هكذا يكون الإصلاح والحكم الرشيد؟…. اللهم هذا قسمي في ما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
++++++++++++
صلاح
أحمد يوسف التاي
صحيفة الانتباهة