يوسف السندي يكتب العقد الإجتماعي
يوسف السندي
حينما اندلعت الثورة الفرنسية اتخذت من كتاب الفيلسوف الفرنسي الجنسية جان جاك روسو (العقد الاجتماعي) كتابا مقدسا للثورة، ورغم أن روسو عاش حياة بائسة وظل شريدا في معظمها، الا ان كتابه حرر فرنسا بأكملها، وأشاع النور في أوربا والعالم اجمع، ويمثل كتاب العقد الإجتماعي مجموعة مفاهيم ومحددات لعناصر المجتمع والحكم والشعب وكأنه خريطة لكنز الجمهورية الذي نادت به الثورة الفرنسية وانجزته، وهي ليست المرة الأولى التي يقود فيا كتابا ما ثورة امة، فالكتب الدينية قادت إلى ثورات عظيمة، ويمكن التدليل بالأمة المسلمة والتحول الرهيب الذي حدث لها بالقرآن.
كل أمة تنشد التغيير، يلزمها كتاب تقرا منه حتى لا تضل ولا تشقى، كل شعب يبحث عن الثورة يلزمه قرآنا يفرق له بين الصحيح والخطأ، بين الجنة والنار، حتى يسير على هدى منه، وهو بالضبط ما كان يحتاجه شعب السودان في ثورة ديسمبر، بيد أن الكتاب الذي كتب لهذه الثورة واسمه (إعلان الحرية والتغيير) لم يكن سوى وثيقة باهتة، وللاسف لم يتم تطوير هذا الإعلان بشكل متفق عليه بين الكيانات الموقعة حتى يتحول إلى كتاب للثورة ومرشد لدولتها.
المعارضة السودانية كتبت الكثير من الوثائق والبرامج التي تخاطب التغيير وتقدم البديل بعد سقوط الانقاذ. في ١٩٩٥ أصدر التجمع الوطني الديمقراطي مقررات مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية، كان التجمع يضم أحزاب الأمة والاتحادي والشيوعي، الحركة الشعبية/ والجيش الشعبي لتحرير السودان، تجمع الأحزاب الأفريقية السودانية، القيادة الشرعية للقوات المسلحة، النقابات، مؤتمر البجة، قوات التحالف السودانية، الشخصيات الوطنية. هذه الوثيقة كانت اختراقا عظيما في شأن الهوية حين أقرت حق المواطنة وحق تقرير المصير للشعوب السودانية حين استيفاء شروطه.
لا يمكن الاعتداد بالوثائق والاتفاقيات التي وقعتها الإنقاذ مع المعارضة مثل اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية في ٢٠٠٥، إتفاقية القاهرة بين الإنقاذ والتجمع الوطني الديمقراطي (ما عدا حزب الأمة القومي، الذي خرج من التجمع في عام ٢٠٠٠)، وثيقة الحوار الوطني، اتفاقيات حركات دارفور مع الانقاذ، لان جميع هذه الوثائق ذهبت الى طريق مسدود. بينما من المهم الإشارة إلى وثائق المعارضة الاخرى، وثيقة البديل الديمقراطي المقدمة من تحالف قوى الاجماع الوطنى، وهي وثيقة حوت خريطة ما تراه هذه القوى لحاضر ومستقبل البلاد بعد الانقاذ. الميثاق السياسي لقوي نداء السودان، وهي وثيقة وضعت لإعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية. كلا الوثيقتان أفضل وأعظم وأكثر مناقشة لقضايا الوطن قبل وبعد إسقاط الانقاذ من اعلان الحرية والتغيير، ولكن الصراعات بين المكونين وظهور تجمع المهنيين الذي أراد الهيمنة كذلك ابعدهما وجعل الجميع يكتفي مرغما بوريقة إعلان الحرية والتغيير، لتجد البلاد نفسها مرغمة حين جاء أوان الدستور ان تكتب على عجل وثيقة دستورية مليئة بالثقوب والعيوب.
حين رأي التخبط السياسي قدم حزب الأمة القومي في مارس/٢٠٢٠ وثيقة نحو عقد إجتماعي جديد، كان توقيت الوثيقة سليما وووجهتها مثالية، ورغم انها كانت غير واضحة بعض الشيء، الا انها دعت في ثناياها إلى العمل بإلحاح من أجل تكوين اصطفاف تشترك فيه القوى السياسية والمدنية الجادة، وتشترك فيه لجان المقاومة المستعدة لدور بناء بعنوان مؤتمر القوى الجديدة. هذه الدعوة للعقد الاجتماعي مازالت مطلوبة، وهذا الاصطفاف اذا تحقق فقد يخرج بعقد اجتماعي سوداني يصبح هدى للثورة وللاجيال الجديدة، ويقود البلاد إلى طريق العدالة والحريات والديمقراطية المستدامة.
صحيفة الصيحة