مقالات متنوعة

يوسف السندي يكتب خطاب حمدوك !!

خاطب الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء مساء الأمس الثلاثاء الامة السودانية، وهو وان كان بحسابات الواقع فاشلا حتى الآن في معالجة الأزمة الاقتصادية، إلا أنه على الأقل قدم في خطابه رؤية واضحة لأهدافه وخططه ومشروعه الحكومي الذي يقوم بالمقام الأول على إعادة السودان إلى المحيط الدولي والاستفادة من الفرص الموجودة في سياق العمل الدولي، وهي خطط تشبه الدكتور حمدوك موظف الأمم المتحدة والخبير في شئون العمل الأممي، وأعتقد ان من يطالبون حمدوك بتغيير قناعاته في مشروعه الذي طرحه من قبل وطرحه بالامس إنما يطالبونه بالخروج عن جلده، وهو شيء مستحيل، لن يتراجع حمدوك عن وصفته الأممية إلى ان يلج الجمل في سم الخياط. لذلك أن كان ثمة من يدعو رئيس الوزراء وحكومته إلى تغيير سياستهم الاقتصادية وتبني سياسة حكومية مبنية على الانكفاء على الداخل والعمل الداخلي البحت، فالأفضل له أن يطالبه بالتنحي او يطالب باستبداله على أن يطالبه بالعمل وفق رؤى لا يتقنها، وليست من مجالات خبرته الطويلة وممارسته العملية.

دافع رئيس الوزراء عن تبنيه لمشروعه مرتكزا على جسامة التحديات التي تواجهه، فوزارته استلمت خزينة فارغة، وديوناً مهلكة، وحصار سياسي واقتصادي، ثم جاءت جائحة كورونا التي خفضت إيرادات الحكومة بنسبة 40% لتتم الناقصة. وهذه أسباب حقيقية لا يمكن التشكيك في قدرتها على إبطاء فعل الحكومة، خاصة وأنها حكومة (لحم راس) تتعدد فيها الرؤوس والحواضن والقوى، وتتوالد فيها المشاكل والصراعات بسبب وبدونه، وتهاجمها الدولة العميقة بلا رحمة، وتعاني من ضعف في الخدمة المدنية وانعدام وجود المؤسسية والشفافية في الدولة المتوارثة، وبالجملة لم يستلم حمدوك حكومة وإنما استلم (جنازة بحر).

اطلعنا رئيس الوزراء على تصور حكومته العام المبني على اربع: وقف الحرب وتحقيق السلام، فك العزلة الدولية عن السودان وإنهاء العقوبات والحصار، إعادة هيكلة الاقتصاد السوداني، وتوجيه الطاقات نحو الإنتاج. ذكر رئيس الوزراء تحقيقه انجازات مهمة في المراحل الثلاثة الأولى، حيث وقع اتفاقية جوبا للسلام ويفاوض الآن في الحلو، أخرج السودان من الدول الراعية للارهاب، يطبق في إصلاح اقتصادي هيكلي كسب به اعفاءات في الديون واستثمارات دولية، والآن هو بصدد العمل في المرحلة الرابعة وهي مرحلة التوجه نحو الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعات التحويلية. الخطة عملية وتشبه تماما الدكتور حمدوك الخبير الأممي، واعتقد ان جميع الذين عملوا في هيئات ومنظمات الأمم المتحدة وخاصة الاقتصادية سيكونون متفقين مع خطواته، بينما لا اتوقع ان يفهم الكثيرين من ابناء السودان ومن بينهم قادة في احزابنا السياسية أبعاد هذا العمل، وسيتهمون حمدوك وحكومته بالعمالة الدولية، وهي اتهامات سهل تفنيدها في ظل انتشار عالم الإنترنت والمعلومات.

ليس أمام الحاضنة السياسية سوى خياران، ان تؤمن بهذا البرنامج الذي تنفذه الحكومة تحت قيادة حمدوك وبالتالي عليها أن تدعم استمرار رئيس الوزراء بكل الوسائل وخاصة بالاستجابة لمناشدته لقوى الثورة بالوحدة، أو تكفر ببرنامجه وفي هذه الحالة لا يجب أن تطلب منه تغيير سياسته، فهو لن يجييد غيرها، وإنما عليها اختصار الطريق واستبداله برئيس وزراء جديد ببرنامج مختلف. وأعتقد أن الخطوات التي مضى فيها حمدوك مع المجتمع الدولي في تطبيق برنامجه تجعل من العسير على الحاضنة السياسية ان تتراجع عن هذه الالتزامات حتى اذا قامت باستبدال حمدوك.

صحيفة السوداني