عثمان ميرغنى يكتب ( مشهد من الجحيم )
صباح الخميس أمس الأول، اتصل بي مواطن سوداني يلفت نظري لمأساة حقيقية عابرة لأبعادها المكانية الضيقة.. المواطن مسافر إلى الخارج ويفترض أن يحصل على شهادة إكمال التطعيم ضد فيروس كورونا من القمسيون الطبي.. ظل لأربعة أيام يحاول الحصول عليها بلا طائل، حتى فقد أخيراً حجزه في الطيران وعليه دفع غرامة كبيرة لتجديد الحجز..
أرسلنا فريقاً من “قناة التيار” ليقف على الأوضاع ميدانياً بمقر القمسيون الطبي بالخرطوم بحري.. بمجرد وصولهم ألقي القبض عليهم واقتيدوا إلى مكتب داخلي ، قيل أنه يتبع للأمن. و منعوا من التصوير وأداء مهمتهم ولولا تدخل الجمهور لصودرت الكاميرا..
في الحال لحقت بهم لاستجلاء الوضع.. والله لو لا أنني رأيت بعيني المشهد لما صدقت.. كتل بشرية مزدحمة حول باب صغير، آخرون صعدوا في الحائط أو اعتلوا ظهر حاويات خارج المبنى ، وأمام الباب الصغير رجل شرطة يحمل “خرطوش” يهش به المواطنين وفي لحظة فارقة أخرج سلاحه الناري وأشهره في الوجوه المرهقة التي ظل بعضها يداوم لأكثر من أسبوع ، يأتي مع صلاة الفجر حتى آخر اليوم عسى أن يجد الخدمة الحتمية ليتمكن من السفر..
أحد المواطنين قال لي وهو يكاد يبكي أن صلاحية الإقامة على وشك الانتهاء وهو لايستطيع الحصول على ختم القمسيون..
لم يعد همسا، حديث مستمر عن دفع مبالغ مالية في ظل غياب كامل للنظام والسلطة والدولة.. خاصة إن بعض الدول تحتجز القادم إليها وعلى نفقته في فنادق خاصة إذا لم يحمل شهادة التطعيم، وربما بمقارنة التكلفة يجد البعض أن دفع مبلغ مالي هنا أقل من تكلفة الاحتجاز ورهقه..
المشهد الذي رأيته أمامي يتجاوز تماماً المكان والخدمة المقصودة.. هو إشهار إهانة للمواطن السوداني.. الذي يدفع من حر مال فقره المدقع رواتب الموظفين الذين يعذبونه ويطأون بأحذيتهم على كرامته..
بالله عليكم لماذا ثار الشعب السوداني ضد الديكتاتورية والظلم؟ لماذا ضحى الشباب بدمائهم ؟ هل لمثل هذا الوضع المهين؟ هل ليظل المواطن السوداني مجرد رقم وطني حيثما أراد من الجهات الرسمية خدمة؟
المهندس خالد عمر يوسف وزير شؤون مجلس الوزراء استجاب لصرخات المواطنين ووعد بحل المشكلة فوراً.. وليته لا يقف عند الحل بل تحديد المسؤولية ومحاسبة كل من سمح لهذه المهزلة أن تحدث.. من وزير الصحة حتى آخر موظف أو عامل..
صحيفة السوداني