أحمد يوسف التاي يكتب: سنغرق
(1)
في مبادرته التي أطلقها أمس والتي سمّاها مبادرة (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام) حاول رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك إرسال إشارات تعبر عن عمق الأزمة السودانية الحالية وخطورتها ومكمن الداء الحقيقي مشيراً في هذا الصدد إلى كارثية الأزمة السياسية والتي وصفها بـ“المخيفة“ وإلى حالة التشظي والتشرذم التي تشهدها الحاضنة السياسية لحكومته “قوى الحرية والتغيير“… حمدوك لم يقف عند هذا الحد ولكنه نحا إلى ما سبقه إليه “البرهان“ و“حميدتي“ وهما يسجلان إقراراً واضحاً بالفشل بعد عامين من الحكم، فما كان لينقصنا إلا اعتراف حمدوك الذي جاء متأخراً أمس: (قضينا عامين في محركة..) وما لبث أن قال 🙁شراكتنا مع العسكر لا تسير في خط مستقيم)، وأشار إلى تعدد مراكز اتخاذ القرار في السياسة الخارجية، وإلى التشظي “العسكري العسكري“ ، ولعله يقصد الخلاف داخل المؤسسة العسكرية حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش… ويا سيد البرهان، ويا سيد حمدوك، ويا سيد حميدتي نحنُ لم نقل غير هذا…. قلنا فشلتم وتنازعتم وذهبت ريحكم، فها أنتم تُقرون بالفشل الواحد تلو الآخر ولم نقل غير ذلك…
(2)
دعوني التقط عبارة واحدة من بين إشاراته إلى الأزمة السودانية الحالية وأسبابها… نقطة أراها جوهرية وردت في مبادرة حمدوك التي طرحها بالأمس وهي إشارته إلى الأزمة السياسية… ولماذا الأزمة السياسية بالذات؟؟؟!!!… أقول لأن الأزمة السياسية هي الداء الحقيقي، وما بقية الأزمات والكوارث والآلام والأوجاع إلا عرض لهذا الداء الذي استعصى علاجه… الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها بلادنا سببها الأزمة السياسية… الغلاء، الضائقة المعيشية ،انفلات السوق ، التهريب ،تجارة العملة، فوضى الاستيراد والتصدير،التجنيب، والنشاط الطفيلي و انهيار العملة الوطنية… كل هذه عناوين للأزمة الاقتصادية لكن المشكلة السياسية هي التي أنتجت الأزمة الاقتصادية فكانت بمثابة الحبل السري الذي تتغذى منه كل الأزمات… المهددات الأمنية والتفلت وكل مظاهر الأزمة الأمنية سببها الرئيس المشكلة السياسية…
(3)
تاريخ السودان الطويل منذ الاستقلال يؤكد بكل وضوح أن أي خسارة وطنية، وأي كارثة شهدتها البلاد كان وراءها الخلافات السياسية والصراع بين الأحزاب، وأن أي أزمة اقتصادية أو أمنية أو اجتماعية كان وراءها أحزاب سياسية متصارعة على الكراسي، متنازعة على المواقع متحاصصة في المناصب… هذه العلة المزمنة لا أحد يمتلك الإرادة السياسية والعزيمة لعلاجها، منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا… في كل مرة تأتي مجموعة صغيرة تهيمن على الأوضاع، تقصي هذا وتُبعد ذاك وتستأثر بموارد البلاد دون غيرها، وتُمكن لنفسها ما شاء الله لها أن تفعل… ثم تأتي أخرى من قاع المدينة تفعل الشيء نفسه من بلطجة وأحاييل سياسية حتى لافتات لا ترى فيها إلا الاستهبال والانتهازية… وإذا كان الشيوعيون فعلوها أول حكم نميري، جاء دور مجموعة الترابي في 30 يونيو 89، والآن نشاهد البعثيين يقومون بنفس الدور، قلة قليلة تفرض سيطرتها على كل شيء وتتمدد هنا وهناك في مفاصل الدولة وتحسبنا عمياناً..
(4)
الأزمة السياسية التي ألمح بها حمدوك، هي سلوك وممارسات سالبة أصبحت ملازمة لكثير من القوى السياسية وهي أشبه بمرض مزمن ومعد تتناقله الأحزاب عن بعضها… الكثير من هذه الأحزاب تعمل بعقلية متخلفة وهي غير قادرة على تطوير نفسها وغارقة في الخلافات والصراع والمحاصصات ،يتجمع تحت لافتات الكثير منها لصوص وانتهازيون ومردة النفاق…
(5)
بهذه الأحزاب التي سبقت الإشارة إليها لن نستطيع بناء وطن ولن نؤسس لحكم ديمقراطي رشيد، و“لن نعبر“ يا حمدوك بهذه الأحزاب، و“لن ننتصر“ بها بل “سنغرق“ ونفشل ونتنازع وتذهب ريحنا…… اللهم هذا قسمي في ما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة