مقالات متنوعة

د. حيدر معتصم يكتب: عرمان والإسلاميين نقوش على جدار الوطن


درج الأستاذ الرفيق و الكوماندوز سابقاً و في تقديري العلماني الليبرالي الإصلاحي حاليا ياسر سعيد عرمان درج علي تقديم رسائل ونصائح مجانية لقبيلة التيار الإسلامي أو الحركة الإسلامية من حين لآخر كلما حمى وطيس المعركة على أرض الواقع السياسي الساخن أصلا، و قد كانت آخرها الرسالة الصوتية التي سبقت تظاهرة 30 يونيو المنصرم حيث دعا ياسر عرمان كعادته الإسلاميين للتوبة و المراجعة لنهج الحركة و جاءت ردة الفعل من الطرف الآخر ساخنة كالعادة و بالنظر بعين العقل لهذا التراشق الذي يعمق الجراح في وقت أحوج ما يكون الناس فيه للتهدئة و إعلاء صوت العقل و الضمير على ما سواهما فلماذا لا تضع الحرب أوزارها و يتواضع الجميع لحوار فكري عميق يستمع فيه كل طرف للآخر بروح المسئولية الوطنية التي تفرض على الطرفين الإنحناء حباً لهذا الوطن و حباً لهذا الشعب الأبي الكريم الذي شبع و أتخم من مثل هذه الترهات و نحن نعلم يقيناً أن الفرق كبييير بين الإنتصار لأنفسنا و الإنتصار للوطن الذي أبي إلا أن يكون وطنا للجميع و بالجميع و المشهد السياسي الراهن لا يحتمل الرهان على المواجهات الصفرية و قد جربناها سنين عددا و لم نجن منها غير الخراب و الدمار، و الوضع الآن لا يحتمل إلا الإختيار بين إثنين لا ثالث لهما فإما الإنتماء و الإنحياز لقيمة الحزب و الأيدلوجيا الضيقة و إما الإنحياز و الإنتماء لقامة الوطن الجامع الشامخة و الواسعة، و في هذا الإطار فمن الأنفع للإسلاميين أن يتقبلوا النصح من السيد ياسر عرمان إقتداءً بسيد البشرية و بأن الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها أخذها و عمل بها، و من باب : رحم الله إمرءٍ أهدى إليَّ عيوبي خصوصاً و يعلم الإسلاميين في غرارة أنفسهم أنهم فعلاً أحوج مايكونون للنصح و أحوج ما يكونون لجرد الحساب والمراجعة و هم يقولون ذلك بينهم و يفعلونه سراً و جهراً، أما الأخ الكريم ياسر عرمان و هو الآن يطرح نفسه كإصلاحي بعد تجربة طويلة من القلق السياسي متنقلاً بين اليسار و البندقية ثم الليبرالية إتفقنا أو إختلافنا معه فهو رجل صاحب تجربة جديرة بالإحترام و الدراسة في إطار البحث عن مقاربات تؤسس لواقع سياسي جديد و في حقيقة الأمر فإن ياسر عرمان جزء من تيار إصلاحي تمرد على اليسار السوداني و تحول إلى الثورية ثم إلي الليبرالية و يضم هذا التيار عدد من الرموز اليسارية السابقة البارزة مثل الحاج وراق و الشفيع خضر و الخاتم عدلان و الباقر العفيف على سبيل المثال لا الحصر و كثير من اليساريين الآخرين الذين ساقتهم الأقدار إلي الليبرالية ربما إختياراً و رغبة و ربما غير ذلك من خلال إستدراجهم وإستيعابهم داخل المنظمات الغربية في المجالات المختلفة عن طريق الإستخبارات الغربية و الإقليمية بعد سقوط الإتحاد السوفيتي.

ظللت متابعاً منذ فترة ليست بالقصيرة لكل ما يصدر من الأخ الكريم ياسر عرمان قولاً أو كتابة و أحسب أنه إصلاحي يؤمن بالشراكة السياسية و قبول الآخر و يؤمن أيضا بعدم إمكانية قيادة حزب أو أيدلوجيا أو طائفة واحدة للسودان سياسيا و يأتي ذلك نتيجة لكثير من التعقيدات المعروفة التي يعرفها ياسر و يعرفها الإسلاميون أيضا، و نتيجة للتجربة السياسية الفاشلة الطويلة و الكافية للعظة و الإعتبار و قد صرح ياسر عرمان بذلك قولا و كتابة في كثير من المناسبات و هو كثيراً ما يقر و يتحدث عن الإصلاح السياسي الشامل حتى في صياغ حديثه و إنتقاداته للإسلاميين و لكن من باب المرور العابر و على إستحياء و كان الأوجب و الأجدر به أن يوسع دائرة النظر لأن إصلاح السياسة في السودان لا يمكن أن يكون واقعا بإصلاح المؤتمر الوطني وحده فلماذا لا يتحدث ياسر عرمان بشجاعة تماثل شجاعته في الحديث عن المؤتمر الوطني و ليحدثنا عن تصدعات الحركة الشعبية و إنقسامات الحزب الشيوعي و تشتت الإتحادي و الأمة و البعث و غيرهم بالصوت العالي مثلما يتحدث عن المؤتمر الوطني، و فوق هذا و ذاك لماذا لا يتواضع الجميع بالجلوس تحت راية الوطن خضوعاً لا تنازلاً للبحث بجدية و تجرد عن سقوف وطنية تذهب بالسودان إلى بر الأمان.
أشهد للرجل بأنه درج على كيل السباب للمؤتمر الوطني كحزب إغتصب السلطة بالقوة العسكرية كلما سنحت له الفرصة و لا غضاضة في أن نجد له العذر في ظل الشحن الزائد الذي يفرض نفسه على الواقع إلى حين التعافي النفسي، و لكني و للشهادة و التاريخ لم أسمعه يسئ للحركة الإسلامية كتيار يختلف معه فكريا و يؤمن به كشريك مهم لا يمكن تجاوزه في معادلة الإستقرار السياسي الوطني الجامع و أشهد أنه حينما يتحدث عن الحركة الإسلامية يتحدث حديث الناصحين وذاك جيد في تقديري و لا غبار عليه و حتى تكتمل تلك الفكرة كلوحة وطنية كان واجبا عليه كإصلاحي أن ينتقد ويقدم النصح لتجربته الشخصية و الحزبية على الملأ و هو أيضا أحوج ما يكون للنصح مثله مثل المؤتمر الوطني و بقية الأحزاب و الكيانات السياسية الأخرى التي ولغت في دم الوطن الحرام و أودت به مجتمعة إلى ما نحن فيه الآن من هوان، و قد ظل ياسر عرمان و الإصلاحيين اليساريين في إطار نقدهم لتجربة الإسلاميين كثيراً ما يعبرون عن إعجابهم بالإصلاحيين الإسلاميين مثل د. الطيب زين العابدين و التجاني عبدالقادر و محمد محجوب هارون و عصمت محمود و القائمة تطول من الإسلاميين الذين إختاروا الوقوف في وجه الإنقاذ إنحياذاً لمبادئهم الوطنية الجامعة على حساب مصالحهم الشخصية و الحزبية و من أجل حق الآخرين في حرية الممارسة السياسية و لقوا مالقوا من العنت من إخوانهم في سبيل ذلك و الشاهد أن الأخ الكريم ياسر عرمان و رفقائه لم يتمثلوا ذلك النموذج و يقتدوا به على المستوى العملي دفاعاً عن الحريات نصحاً لرفاق الأمس الذين حولوا الثورة لحالة من الهياج الهستيري و كرة ملتهبة من الغبن و التشفي تنكراً لمبادئها وشعاراتها التي كانت كفيلة بإنقاذ السودان من الإنقاذ و و ما سبقها من أخطاء و كانت كفيلة بولادة سودان جديد قادر على تقديم نموذج يحتذى به إقليميا و دوليا.
إن التحدي الذي يواجه التيار الإصلاحي في السودان يميناً و يساراً هو القفز على حواجز الدم و القطيعة النفسية التاريخية و إعمال صوت العقل دون شروط في وطن أحوج ما يكون للإصلاح و مداواة الجراح بجرأة و ثبات و فكرة و حينها فقط ستفتح مغاليق المستحيل و ستحقق الثورة أهدافها و سيري السودان النور من جديد… نواصل.

صحيفة الانتباهة