التاج بشير يكتب: جسم الإنسان و “جسم الاقتصاد” ماذا يجمعهما؟
التاج بشير الجعفري
الإقتصاد كعلم يعمل على حشد الموارد المتاحة واستخدامها بشكل سليم لإشباع وتلبية احتياجات ورغبات الناس.
والإقتصاد كممارسة عملية، كما هو جسم الإنسان، يمر بمراحل النمو والازدهار عندما يكون في صحة جيدة ولا يعاني من أي خلل او مشكلة وايضاً قد يتعرض للتدهور و الركود والانكماش وهي الأمراض التي تنهكه وتضعفه وقد تؤدي إلى انهياره.
وبمقارنة بسيطة لاقتصاد دولة ما مع الأطوار والأحوال التي يمر بها جسم الإنسان نلاحظ الكثير من التشابه في كل المراحل؛ إلا أن أكثرها وضوحاً وقرباً للتشبيه بينهما هو ما يحدث لكليهما في حال المرض الذي حينما يصيب جسم الإنسان تكون الحوجة لتدخل المعالجين لحقنه بالعقاقير الطبية اللازمة حتى لا تتدهور حالته وتدنو نهايته؛ كذلك الإقتصاد، يمر بمرحلة الأسقام ويحتاج أن يُحقن “بضخ الأموال” في شرايينه (لاحظ الشرايين أيضاً موجودة في الإقتصاد كما هي في الجسم) بالإضافة لإتباع بعض الموجهات والسياسات المالية والإجراءات التي تشابه التوصيات التي يعطيها الطبيب للمريض باستخدام أو عدم استخدام بعض الأطعمة مثلاً، ثم تجئ مرحلة التعافي (وهي الكلمة المستخدمة في كلا الحالتين) التي تحدث نتيجة لاستجابة “الجسم” و “الإقتصاد” معاً لخُطة العلاج الموضوعة (البروتوكول العلاجي) وهي تماثل الخطة الإقتصادية المرسومة لإصلاح الإقتصاد.
أيضاً تحدث الاختناقات في جسم الإنسان عندما تكثر الأمراض وتشتد، ونفس الشيء يحدث للاقتصاد عندما يحدث خلل ما في العلاقة بين مكوناته وقصور في أداء بعض قطاعاته وغياب التناسق فيما بينها (مع ملاحظة استخدام كلمة “اختناقات” في توصيف المشكلة في الحالتين).
جسم الإنسان يحتاج لإدخال الأوكسجين إلى الرئتين حتى تتم عملية التنفس بشكل طبيعي من خلال عملية (الشهيق والزفير)، كذلك الحال في الإقتصاد، فرئتيه اللتين يتنفس بهما هما عملية التصدير من خلال الإنتاج وعملية الإستيراد، ويتضح جلياً مدى أهمية التوازن المطلوب بينهما حتى لا يحدث اختلال يُؤثِر على الجوانب الأخرى، فتصدير ما تنتجه الدولة (الزفير) يدعمها بالعملات الأجنبية وتحقيق الفائض التجاري والوفورات وجميعها تساهم في توسيع الأنشطة الإنتاجية وخلق المزيد من الوظائف وفرص العمل وهذه العملية تشبه قيام الجسم بواجباته في إنتاج الطاقة اللازمة لحركة الإنسان وتأدية أنشطته في الحياة، بالمقابل تقوم عملية الاستيراد (إدخال الأكسجين للجسم) بتمكين الدولة من استجلاب التقنيات والمعدات والأنظمة والمواد التي لا تتوفر لديها وهو بمثابة “الأكسجين النقي” الذي يحتاجه الجسم لتأدية وظائفه.
وكما يحتاج الجسم إلى نسبة محددة من الأوكسجين لئلا تحدث أي مشكلة في التنفس (الاختناق) فإن الإقتصاد كذلك يحتاج لوفورات وفائض يتحقق بزيادة الإنتاج والتصدير عن الاستيراد ليتكون فائض في الميزان التجاري وإحتياطي من العملات الأجنبية (الأوكسجين) الذي يُمكن استخدامه لمواجهة الازمات والطوارئ.
أيضاً يحتاج جسم الإنسان إلى التغذية السليمة والمتابعة وضرورة عمل التحاليل الطبية الدورية لتلافي حالات الإجهاد الناتج عن ازدياد متطلبات الحياة ومعاناتها وما يتطلبه ذلك من أخذ العلاج اللازم في حالة الشعور بأى أعراض؛ ويقابل ذلك في الاقتصاد قياس ومتابعة المؤشرات الإقتصادية والمالية ومراجعة السياسات، ولا خلاف فالإقتصاد يحتاج للحفاظ على التضخم (ضغط الدم) في مستويات مقبولة حسب المعايير المعروفة لضمان عدم إرتفاع الأسعار بشكل كبير الشيء الذي يُعد خللاً في أحد المؤشرات الاقتصادية الرئيسية ويتطلب التدخل لمعالجته.
كذلك يعتبر التنوع في الغذاء بشكل متوازن أحد الأشياء الضرورية للحفاظ على جسم رشيق وخالي من الأمراض، كذلك الأمر في الاقتصاد الذي يزداد قوة ومنعة بتنوع قطاعاته الإنتاجية الشيء الذي يعتبر مهماً وحتمياً لضمان عدم تأثره بأي هزات قد تضرب بعض القطاعات فيتسبب ذلك في مشكلة في الإقتصاد في حالة اعتماده على مصدر واحد للإيرادات.
كذلك نجد أن جسم الإنسان في حالة المرض الشديد يحتاج لطلب العلاج في الخارج رغم إرتفاع تكلفة ذلك، وهو ما يلجأ إليه القائمين على الإقتصاد عندما تستعصي المشاكل وتزداد الإختلالات التي تستوجب الاستعانة بالخارج لتقديم الدعم اللازم لتجاوزها وهو ما يحدث حالياً في السودان من خلال برامج الإصلاح الاقتصادي مع المؤسسات المالية الدولية.
خُلاصة القول، يمكن تشبيه الإقتصاد بقطاعاته المختلفة بجسم الأنسان، الذي إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولذلك يجب أن يتم إصلاح كل القطاعات المغذية للإقتصاد و أن تعمل جميعها في تناغم وانسجام تام حتى يعمل الاقتصاد بشكل سليم ويدعم قطاعاته المختلفة، الزراعة والصناعة والصحة (الطاقة وكريات الدم البيضاء التي يحتاجها الجسم لحمايته)، التعليم والخدمات والسياحة والرياضة وهي الأنشطة التي يقوم بها الإنسان إذا كان يتمتع بجسم سليم ومعافى من الأمراض.
عافانا الله وإياكم من الأمراض والأسقام. ودمتم بخير وعافية.
صحيفة الانتباهة