عثمان ميرغني يكتب مصالح .. لا مصالحة..
طرفة سودانية مشهورة تُحكَى في عهد الرئيس نميري ألقى خطاباً في منطقة ريفية أمام حشد جماهيري فقال لهم (أطالبكم بالعمل والإنتاج) فصاح بعض الجمهور بصوت عال (اليومية كم؟)..
خلال الأيام الماضية دار همس جهير حول “مصالحة” جديدة تضاف لسجل “المصالحات” السودانية التي قد تدخل موسوعة جينس للأرقام القياسية، فأسهل عمل في بلادي عقد “مصالحة” ينساها من وقعوا عليها ورقصوا في حفل تدشينها بمجرد وصولهم باب قاعة التوقيع.
لا داعي لتكرار التاريخ بمصالحات تُربط وتفك على ذمة محاصصات ومناصب لأهل العروسين و “الجري للمتاعيس” من أبناء الشعب السوداني لا ينوبهم منها ولا حتى زغرودة الحفل البهيج..
من حق الشعب السوداني بعد 65 سنوات عجافاً منذ الاستقلال أن يسأل الداعين إلى “مصالحة ” (اليومية كم؟) كم ينال الشعب من ريعها؟ وللدقة ماهي “مصالح!” الشعب من “المصالحة”؟
بعبارة أخرى مختصرة ، (بدل المصالحة أحسن مصالح ) على سياق بيت الشعر الشهير (بدل الطبنجة أحسن كمنجة).. فالمصالحة الحقيقية يجب أن تكون من الساسة مع الشعب، لا بين الساسة، فليس من العدل أن يربح الساسة مرتين، مرة في الصراع وأخرى في المصالحة..
هذا الحديث ليس ضد التسامح والتلاقي الوطني فالقصد هو أن يتوافق أهل السودان على برنامج نهضة تنموي واضح المعالم لا على وثيقة “القسمة والنصيب” المعهودة بين الساسة في كل سوابق مصالحاتهم الكثيرة.
وقد يقول قائل التصالح أولاً ثم التشارك في صناعة البرنامج الوطني، لكنه منطق انتهازي مجرب، فالساسة عادة ينزلون في محطة “المصلحة الحزبية” ولا يفضلون إكمال رحلة القطار إلى “المصلحة القومية”.
برنامج النهضة هو خط إطاري لمطلوبات بناء دولة السودان الحديثة في المجالات كافة، التعليم – الصحة – البنى التحتية ـ الزراعة – الصناعة وغيرها.. هل يمكن الاختلاف على بناء خط سكك حديدية من بورتسودان الى الجنينة مثلاً.. إلا في التفاصيل الفنية.. هل يختلف إثنان على إنشاء مطار الخرطوم الجديد ليكون أكبر مطار في أفريقيا ويصبح “دبي” أفريقيا في تشبيك المسارات بين أفريقيا والعالم.. طالما لا أحد يختلف في ذلك فلماذا لا يكون هنا مربط فرس المصالح.. لا المصالحة؟
نتفق على المصالح.. لا المصالحة.. فالمصالحة بين فرقاء والمصالح للشعب السوداني كافة..
صحيفة السوداني
صحيفة السوداني