هنادي الصديق تكتب: حكومة شفافة
بعد أن ثبت شرعا أننا مجتمع استهلاكي بالدرجة الاولى، ولا مكان لمفردة مجتمع منتج في قاموسنا الوطني، فالطبيعي أن تجتهد حكومتنا الموقرة في حلحلة المعوقات التي يعاني منها المواطن، (رغم قناعتي بأن المواطن نفسه أحد أكبر هذه المعوقات).
لا أحد ينكر أن الازمات المتواصلة في معظم الخدمات الاساسية للمواطن، ظلت تزعج جميع فئات الشعب باستثناء (الفاعلين والمفتعلين) للأزمة، وكل البيوت باتت في حيرة من أمرها، وهذا أمر مشروع بالتأكيد، ولكن الاكثر إزعاجا بالتأكيد هو عدم الالتزام بالشفافية المطلوبة من قبل الحكومة، ويتمثل ذلك في قرارات بعض المسؤولين التي ظل الشارع يتفاجأ بها بشكل يكاد يكون يومي، وهو ما يباعد الشقة بينها وبين المواطن.
إذ يكتفون بين الفينة والاخرى بإطلاق تصريحات خجولة وغير مهضومة في قرارات ينتظرها الشارع بشغف، متناسين أن المواطن ينتظر الشروع في الحل النهائي للأزمة وليس التصريحات المستمرة والمتكررة حول معالجات آنية لا تسمن ولا تغني من جوع، فتكرار الازمات يخلق حالة متجددة من تراكم الغضب والإحباط، لن تجدي معه المسكنات اللحظية ولا الطبطبة والوعود الناعمة.
فكل تصريح يفترض أن يعقبه عمل واضح، واتحدث هنا عن الازمات في السلع الاستهلاكية، وجزء من هذه الحلول من وجهة نظري يكون بإعادة النظر في السياسات الحكومية تجاه هذه القطاعات الخدمية الهامة، والآلية المتبعة معها، على سبيل المثال لا الحصر، إعادة النظر في الوكلاء المعنيين في قطاعات الدقيق، شركات الأدوية، وكلاء الوقود والشركات العاملة فيه .. الخ، ومتابعة آدائها بشكل صارم، وكل من يثبت ضلوعه في تلاعب او تخريب، يُقدم لمحاكمة عاجلة عقوبتها تصل للسجن والغرامة والمصادرة، لان من أمن العقاب أساء الفعل.
ثاني الحلول وهو الأهم من وجهة نظري (تفعيل عمل التعاونيات) الذي كان سائداً قبل ثلاثين عاماً، وتحديثه بما يتوافق مع مطلوبات المرحلة، ولعل التجارب في العديد من دول الجوار والخليج أثبتت فاعليتها من خلال إقبال الجميع عليها.
أمر آخر لابد من الإشارة إليه كحل ناجع جدا لأزمات المجتمع المتلاحقة، وهو تأسيس كيان للشباب المنتج، وأعتقد ان هناك مبادرة من بعض الشباب خلال الفترة الماضية تتحدث عن إنشاء مفوضية لمشاريع الشباب الانتاجية، الغرض منها زيادة الانتاج والدخل القومي وتحسين الميزان التجاري، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، بجانب خلق فرص عمل داخل هذه المشروعات والتي بدورها ستعمل على القضاء على الفقر والبطالة وتحقيق اهداف التنمية المستدامة.
ومؤكد ان كل ذلك متى ما تحقق سيقف سدا منيعا أمام الهجرة غير الشرعية لشباب السودان الذي اضحى عددا غير قليل منه طعاما لاسماك القرش في مياه الابيض المتوسط، وبالتالي اتجاه هذا الشباب ليكون فاعلا ومنتجا ورافدا للقطاع الخاص ومغذيا له بجيل جديد من اصحاب العمل الشباب.
ختاما أرى أن اهتمام الدولة بالمواطن يجب ان يأخذ الأولوية القصوى في اجندة حكومة الفترة الانتقالية، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وتغيير الحكومة لسياساتها تجاه المواطن ينبغي ان تأخذ طابعا مختلف، تغلب عليه روح الشراكة في الهم العام، وهذه الروح هي الكفيلة باستمرار دعم الشارع للحكومة الانتقالية فصبره وتحمله لكافة المشاق والصعوبات الآنية والقادمة واللاحقة، كفيل بأن يرفع عن كاهل الحكومة إحساس التقصير، ويجعلها تعمل بهدوء وجدية بعيدا عن الضغوط، فقط المطلوب منها العمل بـ(الشفافية).
صحيفة الجريدة