بهاءالدين قمرالدين يكتب : صحيفة (رأي الشعب).. لسان حال الشعب!(1)
سنوات ليست بالقصيرة عملنا فيها بصحيفة (رأي الشعب) طيبة الذكر؛ التي تمّ إيقافها ووأدها وطمرها ودفنها حية؛ بقرار جائر وظالم ومتعجل وغير مدروس؛ وقعته يد الراحل الدكتور حسن عبد الله الترابي، الأمين العام للمؤتمر الشعبي؛ الذي كان يصدر الصحيفة الذائعة الصيت والواسعة الانتشار؛ وعملنا فيها منذ صدور العدد الأول عقب (مسرحية) المفاصلة السيئة الإخراج بين المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي, والمؤتمر الوطني بقيادة البشير؛ حتى آخر عدد توقّفت بعده نهائياً قبل عشر سنوات ونيف!
وللحقيقة والتاريخ، فإن هنالك كثيراً من الجوانب الخفية والحقائق البعيدة لا يعرفها الناس عن (الجنود المجهولين) الذين كانوا يعملون فيها بكل تجرد ونكران ذات؛ وبلا مقابل، بل ويدفعون من (جيوبهم وحر مالهم)؛ فقط من أجل الشعب والناس والوطن؛ وأيضاً يجهل الكثيرون الظروف الصعبة والقاهرة التي كانت تصدر فيها الصحيفة؛ التي احتلت المركز الأول في توزيع الصحف بشهادة مجلس الصحافة نفسه وأمينه العام آنذاك الأستاذ العبيد أحمد مروح !
فقد كانت الصحيفة تصدر تحت وطأة ظروف مادية قاهرة؛ و(بزيت المصافي) كما يقول المثل السوداني المعبر، سيما وأن حزب المؤتمر الشعبي الذي كان يصدر الصحيفة وتعتبر لسان حاله؛ كان قد رفع يده تماماً عن دعمها مادياً؛ ولم يوفر لها المال الكافي والميزانية التسييرية، لصدورها ولتغطية منصرفات العمل وتسييره؛ فضلاً عن كلفة الإنتاج الصحفي ومصروفات العمل والطباعة وحتى تغطية مرتبات الصحفيين والعاملين فيها، وترك الشعبي كل ذلك لتبرعات وهبات و(صدقات) عضوية الحزب الشحيحة والمغلولة اليد، والقليلة العطاء والرفد!
لذلك كانت الصحيفة تصدر في ظروف بالغة التعقيد و(بالمجازفات) والديون، لدرجة الاستدانة من (بائعات الشاي) المكافحات، الشريفات، العفيفات، لتوفير ميزانية الصدور اليومي!
أيضاً كان جهاز أمن الإنقاذ يفرض رقابة قبلية وبعدية صارمة على الصحيفة المعارضة، بل ويهدد الصحفيين العاملين فيها بقطع الأرزاق وربما (قطع الأعناق)؛ إذا لم يتخلوا عن العمل فيها!
علاوة على ذلك كان الكثير من قيادات وأعضاء حزب المؤتمر الشعبي غير راضين عن الخط المهني والتحريري للصحيفة, ويرون أنها لا تمثل الحزب وبرامجه وسياسياته!
على رأسهم الراحل الدكتور حسن عبد الله الترابي، الأمين العام للحزب؛ والذي حينما سألته إحدى الصحف عن صحيفة (رأي الشعب) وهل تمثل حزب المؤتمر الشعبي!؟
فرد قائلاً بسخريته اللاذعة: (رأي الشعب) لا تمثل المؤتمر الشعبي؛ بل هي (مثلت) به!
ولقد كان لكلماته القاتلة وقع قاس وصادم على العاملين والصحفيين الذين يعانون أشد المعاناة من أجل صدورها؛ حتى أن بعضاً منهم تركها وخرج منها، بل وهجر العمل الصحفي نهائياً!
فوق ذلك كله، كان بعض قيادات وعضوية حزب المؤتمر الشعبي يُعادي الصحيفة والعاملين فيها من منطلقات وأسباب (عنصرية وعرقية وجهوية)!
هل تصدق ذلك عزيزي القارئ!؟
فحزب المؤتمر الشعبي الذي زعم أنه انشق عن حزب المؤتمر الوطني بسبب العنصرية القبيحة التي كانت تمارس فيه، وكانت أحد أسباب الانفصال والمفاصلة بينهما، بيد أنه عاد ومارس ذات العنصرية داخل حزبه المنشق في أقبح تجلياتها وفي الصحيفة التي تتبع له وتمثل لسان حاله؛ وتجاه صحفيين أحرار شرفاء؛ يعملون في ظروف قاهرة وقاتلة،لا تمكنك من كتابة (حرف واحد)، ناهيك عن صحيفة كاملة، لكن رغم ذلك ينعتونهم ويسيئونهم بنعوت وأوصاف عنصرية نتنة وقبيحة، نهى عنها الدين الإسلامي الذين يزعمون كذباً أنهم حماته ومتمسكون بنهجه وتعاليمه!
لدرجة أن بعض قيادات الحزب وعضويته ذهبت للشيخ الترابي وبلغته شكواها تجاه الصحيفة والعاملين فيها, وكان ملخص الشكوى أن صحيفة رأي الشعب تعاني من مشكلتين رئيسيتين؛ الأولى أن كل الصحفيين والعاملين فيها ينحدرون من ولايات (كردفان ودارفور)!
أما العلة الثانية؛ فإن الصحيفة تتبنى قضايا غرب السودان وكردفان ودارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة!
فقال لهم الترابي بسخريته الحارقة: وهل هذا الأمر يمثل مشكلة كبرى لدرجة أنكم أتيتم الي وطلبتم لقائي؛ أين المشكلة والعلة في ذلك!؟
ولكن رغم كل تلك المعوقات ورغم كل تلك الإحباطات، بيد ان عزيمة وإصرار الشباب العاملين والصحفيين فيها كانت أقوى وأكبر، تدك كل الصعاب وتقهر المستحيل من اجل اصدار صحيفة تنحاز للشارع وتعبر عن الشعب ونبض الشارع وهموم الناس وقضايا المهمشين والمقهورين!
ونجحت الصحيفة في تبني خط مهني يركز على قضايا وهموم الناس في المقام الأول, وينحاز للشارع وتكون لسان حال الشعب؛ قبل أن تكون لسان حال المؤتمر الشعبي!
وانطلاقاً من ذلك الهدي، تبنت الصحيفة قضايا كردفان ودارفور والشرق وجبال النوبة والنيل الأزرق، لجهة أن تلك المناطق كانت تعاني من الحرب وتعتبر بؤراً ملتهبة ومشتعلة!
ونواصل
صحيفة الصيحة