صلاح شعيب يكتب وهل لم يتصالح قادة الانتقال مع الإسلاميين؟
واضح أن هناك خدعة كبيرة تتعلق بأمر التسوية مع مؤسسي، ورعية، النظام السابق، ويسعى الإسلاميون لترسيخها.
ومع ذلك هناك بعضنا الذي يفترض بحسن نية أن إقصاءً حدث لسدنة النظام عن إجراءات الانتقال نحو الديموقراطية.
وبالتالي تكون الحاجة للتصالح معهم واجبة.
والسبب هو أنهم الآن خارج قسمة الكيكة، ولذلك سيعرقلون الانتقال أمنيا، واقتصاديا، وإعلاميا، ولكل هذا ينبغي كف شرهم بأن يتم استيعابهم في العملية السياسية الجارية.
وبذلك يفيدون مصلحة البلاد إذ تقتضي الضرورة المصالحة، أو التسوية، مع إسلاميي المؤتمر الوطني، وغيره. حسنا لهذا المنطق. الخبثاء سواء هم أفراد إسلاميون، أو انتهازيون، ممن فقدوا مدد الاعتياش على الدولة بغير حق لا ينظرون للمصالحة بمرجعية ذلك الفريق الأول.
إذ يرون أن أداة الابتزاز، والاحتيال الإسلاموية، بمثلما أثبتت فاعليتها بعد الاستقلال فلا بد من تطويرها لمحو تاريخ الإسلاميين الملئ بالدماء في الثلاثة عقود الماضية.
وعندئذ يتم الترويج الإعلامي لفكرة أنهم عانوا الإقصاء، وفي ذات الوقت يوحون بأن البلد لن تتقدم ما فتئوا هم منبوذون دون تشكيل حاضرها، ومستقبلها. ويضيف هؤلاء الإسلاميون المتظلمون أن “الوضع الديموقراطي” الآن يسلبهم حقوقهم، وأن لجنة التمكين هي الخصم، والحكم، وأنها لم تراع العدل فيهم.
يقولون هذا وينسون أن شخصيات من لدن حافظ الشيخ الزاكي، وعبد الرحمن إبراهيم، كانوا قد أحالوا القضاة الكفوئين للمعاش، وحولوا المؤسسات العدلية إلى ضيعة لكادر إسلاموي يقضي ما بين نظامهم، والمعارضين.
بل إنهم لا ينسون طبعا أن إعدامات شهداء رمضان هم كانوا فعلتها، والقضاة في ذات الوقت، وبعدها شهدنا مجزرة إعفاء كفاءات الجيش، وبقية المؤسسات النظامية، وتبديلها بكفاءات إسلامية. وقد ظلت الكلية الحربية منذ الأعوام الأولى لا تقبل إلا كوتة طلاب منتمين إلى الحركة الإسلامية.
وهل كانت هناك جهة تقبل تظلمات ضد مجذوب الخليفة، والطيب محمد خير، اللذين أشرفا على طرد مئات الآلاف من الخدمة المدنية، فضلا عن تعذيب الكوادر النقابية فيها؟ إننا لا نشك في وطنية الأصوات التي برزت داخل المكون الثوري منذ الأيام الأولى للانتقال لتنادي بالتسوية مع الإسلاميين الذين لم يرتكبوا جرما يحاسب عليه القانون.
أي أن الإسلاموي الذي لم ينهب، ولم يسرق، ولم يقتل، ولم يعذب، ينبغي ألا يتم إقصاؤه من الخدمة المدنية، أو العمل الخاص، وأن يقتصر الإقصاء على القيادات التي أفسدت. ممتاز.
ولكن أوليس هذا ما يحدث الآن، وهل قبضت سلطة الانتقال غير حفنة قليلة من المجرمين الإسلاميين، وفلت من العقاب الكثيرون، وهاجروا إلى تركيا، أو ابتلعتهم الهجرة إلى الله؟ ألا يوجد إسلاميون في أغلبية الوزارات؟ هل كل السفراء الموجودين الآن عينهم البرهان أو حمدوك؟ هل الرساميل الإعلامية الحالية تخص أفراد سابقين كانوا في المعارضة؟ هل الذين يسيرون العمل في الأجهزة الإعلامية الرسمية، وعددهم يفوق الثلاثة آلاف شخصا، هم كوادر شيوعية، أو تابعة للحركات المسلحة، أو الاتحاديين، والجمهوريين، وحزب الأمة، والبعثيين بفصائلهم كافة؟ وعلى صعيد القطاع الخاص الاقتصادي، والتجاري، من من المعارضين السابقين الذي يملك هذه المشاريع الضخمة في الاستيراد، والتصدير، ويحوز على أعمال استثمارية متوسطة؟ هناك أسئلة كثيرة تترى على هذا النحو، وملخص إجاباتها أن المسؤولين الآن عن الانتقال حافظوا على كوادر الحركة الإسلامية داخل المؤسسة العسكرية، والأمنية، والشرطية.
وفي ذات الوقت لم يمسوا بنية التعيينات بخلفية الانتماء الإسلاموي الأيديولوجي بدليل أنهم لم يغيروا قوانين الخدمة الوطنية حتى يتسنى لهم إحلال كوادر ثورية. فكل ما في الأمر أن وزارات كثيرة سلمت فقط لوزراء قحت بجانب وكيل، وموظفين، لا يتجاوز عددهم المئة من الناس فيما بقي الآلاف فيها، وأغلبهم إسلاميون بعضهم يديرون هذه الوزارات من قمتها. وإذا رصدنا الأسماء التي أحالتها لجنة إزالة التمكين للصالح العام فهي لا تتعدى بضع مئات في كل وزارة تقريبا.
أما ما بذلته اللجنة في إزالة التمكين الاقتصادي، والتجاري، فقد شمل حتى الآن القادة الكبار في النظام، ولكن القيادات الوسيطة ما تزال تواصل عملها.
في مقابل كل هذا تفرغ الإسلاميون الذين فقدوا وظائفهم في القطاع العام، والخاص، للتعاون مع بعض كوادرهم في الدولة لعرقلة أي خطوات لإزالة التمكين، وتحقيق الإصلاح الحكومي.
وإذا نظرنا لنشاطهم في وسائط الإعلام نجد أنهم يغرقون يوميا الاهتمام السياسي بالشائعات، والأكاذيب، ويسممون العلاقات التي كانت متماسكة بين قوى التغيير عبر إثارة الفتنة من خلال هذه الممارسات المعروفة، والمجازة، فقهيا بواسطة قيادة الحركة الإسلامية. إذ تعتبر الطرف الآخر علمانيا، أو كافرا، ويحق عليهم أن يستخدموا كل وسيلة لهزيمته.
بل إن الإسلاميين الآن يثيرون النعرات القبلية في مختلف مناطق السودان لتفجير الوضع من الأطراف. الملاحظ أن بيانات الحركة الإسلامية بعد الثورة ظلت توعد قادتها المعتقلين بأن النصر آتٍ، وفي ذات الوقت تشهد وقائع محاكماتهم هتافات من ذات كوادر الوطني، والشعبي، التي تقول لنا حاسبوا المفسدين، ولا تمارسوا علينا الإقصاء. ذلك بالرغم من أن الثورة لم تتعامل معهم بالمثل.
هل معنى التصالح عند الإسلاميين أن يُطلق سراح قادتهم، ويُمنح التنظيم ثلاثة أعضاء في السيادي، وثلاثة وزراء مثلا، ويعود عبد الحي ليصبح مفتيا باسم جمهورية السودان، ويعاد الجواز السوداني للآلاف من حملته الإسلاميين في العالم؟.