مقالات متنوعة

النعرات القبلية تهدد الفترة الانتقالية


ظهرت على السطح نعرات قبلية مقززة، وأصبحت الفتن القبلية احدي أسوا التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية، هذه الفتن تحصد كل فترة وأخرى أرواح بريئة وتسيل فيها دماء وطنية عزيزة، لأسباب تافهة.

نظام الانقاذ غذى المفاهيم القبلية السيئة وزرع الفتن بين أبناء القبائل وخاصة في مناطق النزاعات في شرق وغرب وجنوب السودان، وكان يستخدم البندقية والبطش لترهيب القيادات فاصبحت نار هذه الفتنة تنمو وتتمدد تحت الرماد، حين انتصرت ثورة ديسمبر واطاحت بنظام الارهاب وتمددت الحرية، نهضت من تحت الرماد نيران الفتن التي زرعتها الانقاذ، ثم واصل منسوبي الدولة العميقة اذكاء هذه النيران وتصعيد الخلافات للدرجة التي أصبحنا نسمع فيه كل مرة واخرى عن قيام كيانات قبلية جديدة تقطع الطرق وتسير المسيرات.

مهم التفريق بين شيئين: القبيلة والقبلية. القبيلة هي مكون مجتمعي يشرح علاقات الرحم والتاريخ، وجودها شيء طبيعي وله إيجابيات من حيث زيادة روابط الاواصر داخلها، بينما القبلية مفهوم سلبي يعني استخدام القبيلة كوسيلة للتحشيد والولاء الأعمى الذي يقود إلى الفتن.

لا نطالب الجماهير بأن تتخلى عن إرثها القبلي، ولكن نطالبها بأن لا تستخدم الإطار القبلي كوسيلة سياسية لتحقيق مطالب قياداتها في الثروة والسلطة.

السياسة تتعلق بالحكم، والحكم يتم عبر الدولة، والدولة ملك للجميع، وبالتالي الوصول إلى سلطة الدولة لا يكون عبر القبائل، وانما عبر مؤسسات قومية تمثل الجميع، ينضم إليها الجميع باختلاف قبائلهم واديانهم واعراقهم، وهذه المؤسسات هي الأحزاب السياسية.

الأحزاب السياسية استطاعت عبر الممارسة الديمقراطية أن تنهي سيطرة القبلية حيثما وجدت، مع احتفاظها للقبيلة بوجودها الاجتماعي، لذلك حينما تضعف الأحزاب السياسية تتمدد القبلية.

كانت القبيلة في القرون القديمة هي القوة السياسية الرئيسية، كانت كل قبيلة حكومة قائمة بذاتها، وكانت حياة القبائل طبيعتها العداوة والغزو والسلب والنهب، تطورت الحياة واصبح الوطن/الدولة القطرية هو القوة الرئيسية في العصر الحديث، وحلت محل القبلية النزعة الوطنية، وأصبح الولاء للوطن وليس للقبيلة، لذلك عودة البعض إلى القبلية هي ردة كارثية ستعيدنا إلى القرون الوسطى وتخرجنا عن التاريخ وعن مسار التطور كدولة حديثة.

الفيلسوف بن خلدون منذ قرون خلت قال ( الاوطان الكثيرة العصائب قل ان تستحكم فيها الدولة) وهذا قول حكيم وعظيم، وينطبق على جزء من واقعنا.

ترك بعض السودانيين الولاء للوطن والأمة وأصبحوا ينتمون لعصائب قبلية، فقاد هذا البلاد لما تعاني منه الآن من تمزق وفتن، وهو واقع يحتاج من الجميع ان ينتبهوا إلى خطورة هذا الأمر الذي سيقود البلاد إلى التمزق والحرب الأهلية، وفي احسن الأحوال يعيدنا إلى الشمولية.

الطريقة التي ادارت بها الحكومة اتفاقية جوبا للسلام كان لها دور ايضا، كثيرون قالوا هذا المنهج خاطيء وسيقود إلى مشاكل متعددة في المستقبل ومنهم حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي ولكن لم يستمع إليهم أحد، وهذه هي المحصلة، إذ اصبحت كل كتلة قبلية تجيد التحشيد تتحدث بإسم عصبتها وتطالب بنصيبها في كيكة السلطة، وهو شيء اذا استمر فانه لن يتوقف حتى يتفرق السودان أيدي سبأ.

القبلية أصبحت مهددا حقيقيا للحكم الانتقالي، وفي حال استمرارها بهذه الوتيرة ستهدد كذلك الانتقال الديمقراطي وتحيل مكاسبنا من ثورة ديسمبر إلى لا شيء.

بحث وتحليل وقراءة ظاهرة تمدد النعرة القبلية في السياسة، يجب أن يكون أحد أهم أهداف منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الحكومة الانتقالية، من أجل معالجة الآثار الضارة المهددة لوحدة الأمة ومستقبلها الديمقراطي.

يوسف السندي
صحيفة التحرير