د ناهد قرناص تكتب : الحيطة والحذر
كانت العبارة أعلاه أكثر ما يثير حيرتي وأنا صغيرة أتلمس الخطى في القراءة.. كيف يمكن ان يأخذ انسان ما (حيطة؟).. وعقلي الصغير حينها يصورها لي بمعنى (حائط).. كبرت وفهمت المقصود.. لكن السيول والامطار الغزيرة فهمتها بطريقتي فقد اخذت (الحيطة ) وما جاورها من شبابيك وأبواب وبيوت .. فالخريف قد أتى فجأة كما كل عام.. في موعده الأصلي الذي لا يخطؤه.. وارتفع منسوب النيل أيضاً بذات الفجاءة السنوية.. والمناظر هي ذاتها والصور نفس المشاهد.
ما الذي تقصده الجهات الرسمية بعبارة (على المواطنين اخذ الحيطة والحذر).. الا اذا كانت تقصد ذات المعنى الذي كنت أذهب اليه في صغري.. فالمواطن المغلوب على أمره.. والذي يسكن بيت الجالوص الذي سينهار من اول قطرات مطر.. ما الذي بيده ليفعله ؟.. الحيطة الحذر يجب ان تأخذها الجهات الرسمية أولاً ومن ثم بعد ذلك توجه المواطن لها..
أولاً يجب علينا ان نعلم ان هناك ثوابت لا تتغير بالضرورة الا في حالة قبول الألمان مبدأ المقايضة الذي طرحته لهم فرقة تيراب قديماً.. بأن نتبادل الدول والسكن.. و(نحن نبقى ألمان والالمان يبقو برقو مان).. حتى ذلك الوقت سيأتي الخريف في موعده.. سيفيض النيل في ميقاته.. وستمتلئ الشوارع.. وسيظهر المسؤولون وهم يرفعون اطراف البناطلين.. ويخوضون المياه تعبيراً عن تضامنهم مع قوى الشعب العاملة..
الموعد الازلي للفيضان.. لن يتغير.. ولا توجد أي دلائل على انه سيخطئ موعده يوماً ما.. يبقى السؤال.. لماذا نبني في مجرى السيل كل مرة؟ مجاري السيول معروفة منذ القدم.. ولو تمعن أحدنا في التاريخ.. سيلاحظ ان أجدادنا قد تركوا السهل وبنوا في التلال والروابي.. .ولا تزال آثار مملكة سوبا القديمة باقية حتى تاريخه.. وأراضي شرق النيل تغرق كل عام فتأمل !!.. .يبقى أول خطوة هو ان يعاد تخطيط العاصمة ويتم تعويض اولئك الذين امتلكوا أراضي في مجاري السيول بعد نقلهم الى أماكن آمنة من خواطر السيول وتوابعها.
ثانياً.. كنت قد قرأت مقالاً قديماً للعبقري الطيب صالح يحكي عن تلك الترع والجداول التي كان الانجليز يقومون بحفرها موازية لنهر النيل.. حتى تستوعب المياه الزائدة في ايام الفيضان.. هذه المياه كانت تستخدم لسقيا النباتات خاصة اشجار الهشاب.. لماذا لا تتم هذه العملية ؟ لماذا لا يتم عمل نفير في كل منطقة لحفر الترع الموازية للنيل قبل كل فيضان ؟ لماذا لا نعد العدة لاستقبال الخريف الذي لا يخلف موعده كل عام ؟ لماذا؟
منذ الأمس بدأت موجة تحركات المسؤولين المتفقدين للمتضررين من الامطار.. كل والي مع حاشيته وهو يتفقد الامكان المتضررة تصوره الكاميرا وهو يتجول ويشير بأصبعه الى أماكن محددة كناية عن لفت النظر.. ومن ثم بعد ذلك يعود ادراجه الى مكتبه بعد ان يكون قد أوصى الأهالي بأخذ الحيطة والحذر.. وينتهي الخريف.. ويأتي الشتاء وبعده الصيف.. ومن ثم تبدأ بشريات الخريف تلوح في الأفق.. فيخرج السيد المسؤول من درجه الاسفل عبارة (على السادة المواطنين اخذ الحيطة والحذر ).. ويتمطى وهو يتثاءب ومن ثم يصيح قائلاً (جهز العربية الفور ويل يا ولد.. ماشين نتفقد المتضررين).
صحيفة الجريدة