يوسف السندي يكتب أبعاد لقاء حمدوك بالحزب الشيوعي
إطلعت على تصريح صحفي يعلن عن لقاء بين فريق من الحزب الشيوعي بفريق من مجلس الوزراء. بالطبع هناك علامات استفهام، فالحزب الشيوعي السوداني حزب معارض يدعو نهارا جهارا لإسقاط الحكومة الانتقالية، فما الذي جد؟!
اللقاء يمكن وصفه بلقاء اليسار الحاكم باليسار المعارض، حيث كان وفد مجلس الوزراء بقيادة الدكتور عبدالله وحمدوك وعرمان وفيصل محمد صالح وجميعهم يساريو الهوى، ووفد الحزب الشيوعي بقيادة السكرتير العام الخطيب وصديق يوسف وكبلو.
الحزب الشيوعي ينقسم إلى تيارين، تيار التشدد وتيار الاعتدال، التيار المتشدد هيمن على قيادة الحزب بعد وفاة الراحل الاستاذ محمد ابراهيم نقد، وقاد هذا التيار سيناريو خروج الحزب الشيوعي من قوى الحرية والتغيير ومن الحكومة الانتقالية ويقود الآن خط الحزب الداعي لإسقاط الحكومة الانتقالية، التيار المعتدل هو تيار يؤمن بأن هذا البلد لا يمكن أن تدار فيه السياسة بالعنترية ولا بالجمود في المواقف وإنما بالمرونة والمشاركة والتنازل المتبادل مع الآخرين، هذا التيار هو الذي حافظ على وجود الحزب الشيوعي ضمن قحت طيلة فترة وجوده فيها.
بخلاف الخطيب فإن بقية وفد الحزب الشيوعي المشارك في لقاء الأمس تغلب عليه صفة الاعتدال. وهذا ما يشير إلى أن اللقاء في حد ذاته مؤشر على حدوث تغيير جديد داخل الحزب العجوز، عنوانه هو صعود أطروحات التيار المعتدل.
أطروحات التيار المعتدل ترفض أن يظل الحزب الشيوعي حزبا معارضا على الدوام، فهو في نهاية الأمر حزب سياسي، والحزب السياسي هدفه الطبيعي الوصول الى الحكم لتنفيذ أهدافه وخدمة الوطن، بقاء الحزب في رصيف المعارضة حتى في ظل الحكومات القومية الانتقالية يعطل ديناميكية الحزب ويقتل اهدافه ويظهره بمظهر الحزب النكدي الذى تصفه الكثير من الجماهير بانه حزب (خلق ليعترض).
لقاء الكتلتين اليساريتين داخل وخارج الحكومة ربما كان بهدف تطمين الزملاء بأن الحكومة الانتقالية مازال فيها أصدقاء لهم، وان حتى في كابينة القيادة هناك أصحاب هوى مشترك معهم، وهي رسالة ستخدم التيار المعتدل وتدعمه داخل الحزب، خاصة بعد أن خسر التيار المتشدد معظم رهانته التي بنى عليها الخروج من قحت مثل تجمع المهنيين ولجان المقاومة وتجمع الأجسام المطلبية وبعض اللافتات الشبابية والنسائية التي لم يسمع بها احد، فقد تلاشى الدعم الجماهيري لهذه اللافتات بعد وضوح اختطافها من كوادر تنتمي للحزب الاحمر، بينما الكارثة الأكبر ان الحزب اذا استمر في هذا التشدد سيخسر ايضا موقعه في المجلس التشريعي.
الحكومة الانتقالية الراهنة هي حكومة يسارية كاملة الدسم لولا وجود حزب الأمة القومي فيها، وحتى بوجود حزب الأمة فيها يصفها بعض المواطنين بانها حكومة الحزب الشيوعي، فاليسار مرتبط في الذهنية السودانية بهذا الحزب، نفي الحزب الشيوعي المتكرر لوجوده داخل الحكومة لم يجدي نفعا ومازال هذا الوصف موجودا لدى الكثيرين.
الكثيرون يرون في خروج الحزب الشيوعي عن الحكومة وانضمامه للمعارضة مجرد تبادل أدوار بين فصيلين منه، فصيل داخل الحكومة وفصيل في المعارضة، حتى يضمن الحزب وجوده في حال استمرار الحكومة أو سقوطها، وهو موقف مشابه لموقف الترابي عشية انقلاب الإنقاذ حين قال للبشير: (اذهب للقصر رئيسا وسأذهب للسجن حبيسا) .
من حق رئيس الوزراء وطاقمه ان يقابل من يشاء من أجل مناقشة ظروف البلاد ومناقشة مبادرته، ومن حقنا أن نذكر رئيس الوزراء بأن طاقمه تفوح منه رائحة اليسار، وهي رائحة غير محببه لغالبية جماهير الشعب السوداني والدليل ان انتخابات السودان الديمقراطية منذ الاستقلال لم ينتخب فيها الشعب حزبا يساريا لا في المركز الأول ولا الثاني، وحيث أن العدالة هي من أهم مطلوبات الثورة، فإن الوسط واليمين يجب أن يكونوا موجودين في هذا الطاقم الذي يجب ان يعكس قومية التيارات السياسية السودانية.
صحيفة السوداني