أحمد يوسف التاي يكتب: ضد أو مع.. وبس
الذي يتابع الحوار السياسي في مواقع التواصل الاجتماعي بين الكودار الحزبية والقيادات السياسية، والذي يشارك فيه أحياناً هواة السياسة غير المحترفين، يلاحظ تسيُّد حالة الاستقطاب السياسي الحاد، والتي تضفي غموضاً كثيفاً على المشهد على نحو يحجب الحقيقة، ويؤثر على أداء أجهزة الدولة الرقابية والعدلية.. حالة الاستقطاب السياسي هي واحدة من أعراض مرض “هشاشة” الحركة السياسية السودانية الناتجة من عدم الاستقرار السياسي الذي ضرب الساحة السياسية منذ فجر الاستقلال. في الساحة السياسية المصابة بـ “الهشاشة” ينحدر الجميع إلى مستوى ضحل وسطحي من مستويات الحوار، وتصبح ملامح النقاش العامة هي عبارة عن مغالطات واتهامات وسباب، وإساءات وتجريح، وعنف لفظي، (دافوري) بهدف إسكات الطرف الآخر، لا بهدف توضيح الحقائق أو إقناعه بوجهة نظر معينة.. أسوأ النتائج التي تفرزها حالة الاستقطاب السياسي الحاد هذه يمكن اجمالها في اربع نقاط اساسية وذلك على النحو التالي : أولاً: الاستقطاب السياسي الحاد يخلق حالةً من الاصطفاف “السالب” وهذه بدورها تفرض واقعاً مختلاً في مفاهيم الممارسة السياسية، والأداء التنفيذي لأجهزة الدولة، حيث تفرض على “حلبة” النقاش أمرين لا ثالث لهما 🙁إما أن تكون مع هذا أو ضده)، إذ لا مجال للنقد الذاتي، ولعل أصدق مثال لذلك تجربة الحزب الشيوعي السوداني في نقد بعض جوانب التجربة الحالية، مما أثار حوله كثيراً من الشكوك، ولعل المثال أيضاً أكثر وضوحاً وفي حالة حزب الأمة .. هذه الحالة لا تسمح لأية وجهة نظر خارج هذا التصنيف (مع أو ضد)، فإذا كنت معي فلا بد أن تبصم بالعشرة على وجهة نظري وتتفق معها وإن كانت خطأ، وإلا فمكانك (الضد)، وحظك اتهام نواياك..
ثانياً: التنظيم السياسي الحاكم – أي تنظيم – في حالة الاستقطاب ينظر إلى النقد الذي يوجه إلى منسوبيه على أنه استهداف لرموزه، مما يفرض حالة من التعاطف والحمية التنظيمية التي تحجب الحقيقة تماماً، وهذا ما كان يحدث في عهد النظام المخلوع، ويتكرر الآن نسخة بـ “الكربون”..
ثالثاً: في غمرة الاستقطاب والاصطفاف، فإن أي حديث يُثار عن تجاوزات وحالات فساد داخل أجهزة الحكم لا تلقي السلطات لها بالاً ولا تأخذها محمل الجد ولا تتحمس للتقصي حولها وفي الغالب ينظر إليها على أنها محاولة لتشويه سمعة السلطة الحاكمة، ولعل هذا ما كان يحدث تماماً أيام النظام المخلوع الذي كان يعتبر الحديث عن الفساد هو محاولة لاستهداف “المشروع الحضاري” أو مؤامرة صهيونية امبريالية تستهدف النظام، وهذا ما يحدث الآن أيضاً في سياق التخوين والتآمر ضد الثورة.
رابعاً: وفي حالة الاستقطاب هذه يأمن كل من يرتكب خطأ، أو أية ممارسة فيها تجاوز لضوابط وقوانين العمل السياسي أو التنفيذي من الطرفين المتصارعين (مع، وضد)، يأمن العقوبة والمحاسبة، لأن ممارسته تلك تتمتع بحصانة “الحمية التنظيمية” التي تضفي عليه هالة من التعاطف مع المتجاوِز باعتبار ان استهدافه هو استهداف لـ”المشروع السياسي” الذي يعمل في إطاره… وبهذا الاستقطاب السياسي الحاد الذي نراه، وما يفرزه من اصطفاف “سالب” تضيع الموضوعية، وكثير من الحقائق وسط غبار المعارك السياسية الحزبية الانصرافية التي تحرق أخضر الوطن ويابسه….. اللهم هذا قسمي فيما أملك.. ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.
×نُشر في مايو 2020
صحيفة الانتباهة