د. حيدر معتصم يكتب: شوارعنا.. بين التتريس و التنظيف
صديقنا د. جعفر من أبناء العاصمة الخرطوم المُعَتَّقِين برتبة شاهد على العصر، إلتقيته بعد طول غياب يشكو بأسي و حرقة متحسراً علي حال العاصمة التي تحولت إلى مكب كبير للنفايات بصورة غير مسبوقة مقارنة بالستينات و السبعينات و ما تلتها من أعوام، و قد كان يمني نفسه و يحلم بعد الثورة و قد تطاولت أحلام النفوس و أشرأبت لتصل عنان السماء، كان يحلم بخرطوم الستينات و السبعينات حينما كانت تُكْنَس شوارعها و تُرَشْ بالماء صباحاً و مساء و يتسائل صديقي بإستغراب إلي أين تبخرت الأحلام و الأمنيات..؟ و ماذا حدث..؟ و أين تكمن المشكلة تحديداً..؟.
يحكي لسان حال صديقي د. جعفر، إذا كنا قادرين في بدايات الثورة على تتريس شوارع الخرطوم جميعها في أقل من ساعة و هي مهمة عسيرة جداً تحتاج إلى جهود جبارة و إرادة قوية لا تلين فأين ذهبت تلك الجهود و أين تلاشت تلك الإرادة..؟… في تقديري أن الإجابة على كل تلك الإستفهامات تحتاج إلى عصف ذهني عميق من أجل إيجاد رؤية بديلة تعود بمسار الثورة للإتجاه الصحيح، و ما بين النجاح في تتريس الشوارع بإمتياز و قهر المستحيل في بدايات الثورة و أيام الهدم وبين الفشل في تنظيف الشوارع بإمتياز في إمتدادات الثورة و أيام البناء حلقات مهمة ضائعة من القيم و المعاني المرتبطة أولاً ببنية المجتمع نفسه الذي بدأت الثورة في إعادة رسمه و بناءه على قيم الحرية و السلام و العدالة ثم توقفت، و المرتبطة ثانياً بفلسفة و منهج و مراحل الثورة الظافرة نفسها، و عادة ما تبدأ هذه القيم و المعاني بفكرة و تنتهي بكثير من الأقوال و الأفعال والسلوكيات المحبطة و المدمرة هنا فيما بعد السقوط و كثير من الأقوال و الأفعال و السلوكيات الملهمة هناك في بدايات الثورة، فإذا كنا نرى صدق النوايا و عمق الفكرة و قوة الإرادة و وضوح الرؤية و الثقة بالنفس والتفاني و التضحية من أجل تحقيق الأهداف على المستوى الفردي و الجمعي أيام الثورة فإننا نرى عكس ذلك تماما الآن فالقيادة لم تعد ملهمة و لم تعد صادقة و لم تعد قادرة على التماهي مع روح الثورة و مبادئها و شعاراتها و أمنياتها و بالطبع ينعكس ذلك تلقائيا على القواعد بشكل مباشر فتصيبها العدوي، و لنأخذ مثالاً واحداً لذلك بطله بإمتياز رأس هرم السلطة التنفيذية، فإذا كان السيد رئيس الوزراء يخرج علينا في يوم زينته فرحا .. و الشارع يغلي.. متهللاً ليبشرنا بقبول المؤسسات المالية الدولية لطلب وضع السودان في قائمة الدول الأكثر فقراً و صفقنا نحن له و لذلك بسذاجة لانحسد عليها دون أن ندري ما تأثير تلك الكلمات و الأقوال التي ملأت الأسافير و إنعكاساتها المباشرة علي الوعي و اللاوعي عند الناس و الجماهير و القيادة نفسها للوقوع في فخ الإستدراج المباشر بأن الفقر المعنى هنا هو فقر عقول و نفوس و قتل و تدمير لروح المثابرة و النهوض قبل أن يكون فقر جيوب و خزائن يصبح بعده تنظيف العاصمة مستحيلاً بإعتراف الحكومة نفسها بعد أن إبتلعت أجهزتها التنفيذية الطعم و تكلست مكامن الإبداع فيها و غابت عنها مفاتيح قهر المستحيل في طرق و أساليب تحريك طاقات الشباب كما كان يحدث أيام الثورة الأولي ليصبح بعدها مجرد التفكير في صناعة نهضة زراعية أو صناعية.. حنبنيهو.. أمراً بعيد المنال نقبل بعده و نستسلم و نتماهي مع الدعاوي التي تؤمن و تبشر بعجزنا و هواننا على الناس بوعي كامل أو بدون وعي و بأن حواء السودانية عاجزة و نسلم مقود ثورتنا برضا كامل و طيب خاطر للآخر بأيدينا تسليما كاملاً ليأتي وينقذنا من فقر العقول قبل فقر الجيوب في عالم لا يقبل و لا يحترم و لا يرحم الضعيف أو العاجز عن الفعل .
أغرب ما في الأمر أن هذا الآخر الذي يسعد معنا و يفرح بنجاحه في إقناعنا بفقرنا الذهني و المعنوي والمادي وهو يعلم يقينا أننا لسنا من الأكثر فقراً ولسنا من الفقراء أصلا بل العكس تماما و لكن يمارس علينا الخداع من أجل أن ينصب نفسه وصياً علينا ببعثاته و مستشاريه و يفعل بنا و بموارنا مايريد و نتحول نحن إلى مجرد أدوات على حلبة لا مكان فيها للعقول الأكثر فقراً و النفوس العاجزة عن الفعل حتى لو كان ذلك الفعل هو نظافة بيوتنا و شوارعنا… كان الله في عونك صديقي جعفر… نواصل.
صحيفة الانتباهة
ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان
هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة