مقالات متنوعة

الخبير الإقتصادي مكي ميرغني عثمان يكتب: صرخة فى وادى الموت: حماية الحدود ووقف الهجرة غير الشرعية


شاهدت مقابلة اجرتها على ما اذكر قناة السودانية 24 مع الأخ د.معاذ تنقو – خبير الحدود المعروف حول النزاعات الحدودية بين الدول ,وتناول اللقاء حقيقة تبعية مناطق ساحل البحر الأحمر بما يشمل شمال السودان وحلايب، حيث افاد أن المنطقة الساحلية من برنيس الى باضع وحتى مصوع تم ضمها بواسطة الحكم التركى منذ 1517 م وحتى 1874 حيث اخضعت ادارتها للحجاز، وهذا كما أرى يشكل مثالا حيا لدور الاستعمار بكافة أنواعه فى توليد نزاعات الحدود بين الدول بعد الاستقلال كما ساطرح لاحقا فى هذا المقال.
قصدت بهذه المقدمة أن أرسل هذه الصرخة وألفت الانتباه لموضوعين متداخلين أولا: معالجة تدفقات الهجرات الخارجية غير الشرعية للسودان وثانيا :حماية الحدود ودورتنمية المناطق الحدوديةفى حمايتها .بالنسبة للهجرات الخارجية: فان السودان تحيط به عدد 7 دول منها دولتان لديها مشاكل سكانية ( مصر ,اثيوبيا) ودول أخرى غير مستقرة وتشهد نزاعات مختلفة وبها عدة جيوش منها جنوب السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا .هذا لا يعنى أن السودان ليس لديه مشاكل فالسودان مر بالعديد من النزاعات وقد خرج لتوه من نزاع تمت معالجته باتفاق سلام جوبا الذى نتطلع ان يكون شاملا ومستداما .كما أن السودان من أكثر دول العالم التى تعج بالنازحين الذى يقدر عددهم بحوالى 2 مليون نازح وعدد من اللاجئين والمهاجرين لا توجد بيانات موثقة عنهم.ويعتبر السودان مركز عبور الهجرة من شرق وغرب أفريقيا نحو شمالها وأوربا،وقد تزايدت اعداد المهاجرين للسودان وعبره فى السنوات الأخيرة ومن ضمنهم السودانيين أنفسهم ومن هؤلاء المهاجرين – قديمهم وحديثهم- من أرتأى البقاء بالسودان. وتعتبر ولايات الخرطوم والشمال والشرق الأكثر تأثرا بتدفقات هذه الهجرات ومنهم اللاجيئين من جنوب السودان.كما أن السودان يستضيف عددا مقدرا من السوريين واليمنيين.
يشكل كل من التنافس للحصول على الموارد الطبيعية خاصة الزراعية والمائية والمعدنية اضافة للانفجار السكانى فى بعض دول الجوار وتزايد معدلات الفقر والنزاعات فى بعضها – عوامل جذب للهجرات عبر الحدود مما يشكل عبئا اقتصاديا على السودان ويولد احتكاكات بين المهاجرين والسكان الأصليين. وقد فرض هذا الزحف على السودان الأمر الواقع ليس فقط باستيطان الأجانب بل أيضا فى التغيير الديمغرافى. وفى حالة الهجرة عبر الحدود فان التداخل القبلى يعقد مجهودات السلطات توفيق أوضاع المناطق الحدودية. وتحت هذه المعطيات والتحديات لابد للسودان أخذ الحيطة والحذر والتحسب للمتغيرات السكانية الناتجة عن هذه الهجرات اذ ان ذلك سيساهم فى تعقيد الوضع الاقتصادى اكثر مما هو عليه الآنكما لهذه الهجرات ابعاد سياسية واجتماعية وثقافية معقدة.واعتقد ان استمرار عدم الاستقرار فى بعض دول الجوار وسوء الأحوال الاقتصادية فيها سيدفع بتدفقات بشرية كبيرة عبر الحدود خاصة من دول غرب أفريقيا وعلى السودان أن يسعى لعلاقة طيبة مع هذه الدول والعمل على مساعدتها فى تحقيق الاستقرار السياسى والاقتصادى .
أما فيما يختص بموضع النزاعات الحدودية فقد ترك الاستعمار نزاعات حدودية عديدة فى أفريقيا وغيرها منها مثلث حلايب مع مصر ومنطقة ابيى وجودة وهجليج وكافيا كنجى وكاكا بين السودان وجنوب السودان واقليم بادمى بين اثيوبيا واريتريا ومليلة وسبتة بين اسبانيا والمغرب ومثلث اليمى بين كينيا وجنوب السودان وارخبيل سقطرى بين اليمن والصومال وجبلوجزيرة دوميرى بين اريتريا وجيبوتى ونهر سمليكى بين الكنغو ويوغندا وجزيرة سيندابيزى بين زامبيا وزيمبابوى والصحراء الغربية بين المغرب والصحراء وقرية كوالو بين بوركينا فاسو وبنين . وفى آسيا جزيرة ابوموسى وطنب بين الأمارات وايران وجامو وكشمير بين الهند والباكستان ومزارع شبعة بين لبنان واسرائيل.وهناك نزاعات بين الأمارات والسعودية واليابان وكوريا ولم تخلو اوربا ايضا من النزاعات حول جبل طارق بين اسبانيا وبريطانيا وجزر بحر ايجة بين تركيا واليونان وبين دول شرق اوربا وامريكا اللاتينية والوسطى ومنطقة الكاريبى بما يشمل كندا والولايات المتحدة.
هناك أمثلة عديدة للنزاعات الحدودية التى تمت معالجتها سلميا عبر اللجوء لمحكمة العدل الدولية منها النزاع بين البحرين وقطر حول عدد 4 جزر (حوار والزبارة وفشتة دبل وغيرها ) فى 16 مارس 2001 وقدظل هذا النزاع قائما منذ 1937 وقد تمت المعالجة مؤخرا بايلولة بعض الجزر لكل دولة. وكذلك النزاع بين تايلاند وكمبوديا حول منطقة مساحتها (4,6 كلم مربع ) تشمل معبد بوذى برياه فيهيار حيث أستمر النزاع أكثر من قرن ويعود تاريخ المعبد للقرن الثالث عشر وقد حكمت محكمة العدل الدولية فى 8 أبريل 1962 لصالح كمبودبا حسب حيثيات الخرط والتاريخ وابرزت كمبودبا خريطة بتاريخ 1904 اثبتت ان المعبد داخل الأراضى الكمبودية.وهناك نزاعات عدة تم حسمها بقرارات من محكمة العدل الدولية. نخلص الى القول الى أن باب العدالة مفتوح لمعالجة النزاعات الحدودية سلميا وليس هناك ما يمنع الدولة اذا كان لها حق مثبت أن تلجأ لمحكمة العدل الدولية.
على السودان أن يحدد أولوياته بوضوح ويتخذ قرارات سيادية هامة بشأن المحافظة على حدوده التاريخية والشروع فى برنامج متكامل لتنمية المناطق الحدودية التى أهملت لعقود من الزمان مما مكن بعض الدول من الزحف عليها احتلالا أوتأسيسالبؤر استيطانية ومن هذه التدخلات توفير الرعاية والخدمات للمواطنين فى المناطق الحدودية وتعزيز الوجود الادارى فى الحدود وتحريك النشاط السياسى والاجتماعى والتنموى وتطوير البنية التحتية وتعزيز تجارة الحدود لتقوية الصلات التجارية و تعزيز مشاركة المواطنين بالمناطق الحدودية فى الشأن الوطنىوالسعى مع بعض الدول التى لا توجد معها نزاعات حدودية على ترسيم الحدود.ونأمل أن يستمر السودان فى سياسة عدم التدخل فى شؤون الغير خاصة الجيران – حتى لا يعطيهم ذرائع الرد كما حدث فى السابق –ولا يسمح ان يتدخل الآخرين فى شؤونه وأن يعيد بناء حوار مستمر وايجابى مع دول الجوار لترقية المصالح المشتركة ويعيد تأسيس وتفعيل اللجان العليا والوزارية والفنية المشتركة وعقدها دوريا لرعاية المصالح المشتركةويبادر بمقترحات لتاسيس المناطق التجارية والصناعية الحرة والتجارة العابرة للدول المجاورة المقفولة.
على السودان لخصوصية العلاقات وتداخل المجتمعات مع دول الجوار التى لها نزاعات حدودية مع السودان اللجوء للحلول السلمية اذ لم تخلف أساليب المواجهة الا الدمار كما حدث بين أثيوبيا وأريتريا والهند وباكستان. ولذلك البديل اللجوء لمحكمة العدل الدولية التى توفروسائل سلمية لحل النزاعاتوتتولى الفصل فى النزاعات القانونية بين الدول وتقدماراء استشارية بشان المسائل التى تحيلها لها اجهزة الامم المتحدة.
بما ان المناطق الحدودية تمثل درعا مهما للأمن القومىأرى أن يواصل السودان تعزيز القدرات القتالية للقوات المسلحة وتفعيل ادارة الحدود وتعزيز دور قوات حرس الحدود وتحريك القيادات الاهلية وزرع الوطنية وتكثيف العمل الأمنى والاستخبارى فى المناطق الحدودية. وفى هذا الاطار يجب المحافظة على البيئة والآثار وحماية الحياة البرية فى المحميات المتاخمة للحدود (مثال محمية الدندر الطبيعية وغيرها)فهى بطبيعتها تشكل منافذ للاختراقات..
وفيما يختص بمعالجة الهجرات غير المشروعة اضافة لما ذكر أعلاه فيجب تطبيق قوانين الهجرة والجنسية بصرامة وسن و اعمال القوانين لمحاربة التهريب والاتجار بالبشروتشجيع وتسهيل التجارة الحدودية وتعزيز التعايش السلمى والاهتمام بمعسكرات النزوح بالمناطق الحدودية كما يجب الحرص على تفهم دور القبائل الحدودية المشتركة والتى لبعضها ولاءا مزدوجا.
نخلص أن لابد من رؤية استراتيجية لمعالجة تدفقات الهجرة غير المشروعة وحماية الحدود ولنتذكر أن خط حماية الوطن وحدوده يبدأ بقوة جيشه وعزيمته فالقوات المسلحة بكافة تشكيلاتها ستظل صمام الأمان لحماية السودان وفى نفس الوقت نسعى للجوء للمجتمع الدولى للحل السلمى كالأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية و اذا لم يكن لدينا حق فالسودان كبير يسع الجميع وليس له أطماع فى الاستحواذ على أراضى الغير.

صحيفة الانتباهة