عثمان ميرغني يكتب بالله شوف! بصراحة (حاجة تكسف)!!
بالله شوف!
تخيل نفسك وأنت تقود سيارتك في أحد شوارع الخرطوم الرئيسية، توقفت أمام إشارة المرور، كالعادة تلتف حولك مجموعة من الشحاذين.. متسولون محترفون يبرعون في تمثيل المواقف المدرة للعطف.. إمراة تحمل رضيعاً في عز الشمس المحرقة.. أو طفلة بريئة تحمل كراسات وتدعي أنها تلميذة لا تجد “حق الفطور”.. أو شاب فقد أحد أطراف جسمه.. أو رجل مسن متسخ الثياب يرسم في عينيه نظرة “البؤساء” لفكتور هوجو.. جميع “أنواع” المشاهد الجاذبة للحسنة تتوفر في وقفة الإشارة المرورية السريعة..
تخيل في وسط هذه الصورة السريالية، رجل يلبس بدلة أنيقة، تفوح منه عطور باريسية باذخة.. وعلى معصمه ساعة ثمينة، وفي يديه اليمنى جهاز موبايل من أغلى الأنواع.. يقف في وسط هذه الشلة المستجدية، ويمد إليك يده بعين مكسورة ويقول (حسنة لله..)!!
هل ستمنحه عطفك مدعماً بورقة من جيبك؟
لا احتاج انتظار إجابتك.. بالطبع لن تفعل، بل ربما تزجره وقد تشتمه أو تبلغ عنه الشرطة..
التفسير الظاهر لأنه مقتدر لا يستحق الحسنة..
والتفسير الحقيقي، لأنه يتهرب من استحقاقه الإنساني بالعمل وتقديم جهده لصالح نفسه ومجتمعه والإنسانية.. فهو يريد العيش عالة على الشارع والوطن والعالم كله.. ولو سمحنا لكل الناس أن ترتكب مثل هذا التهرب فستكون النتيجة أن ينهار العالم كله بالمجاعات والأمراض والبيئة السقيمة.
هل تصدق أننا (والضمير للمتكلمين الجماعة).. نحن هذا الرجل الذي رفضت أن تمنحه عطفك؟
السودان دولة موفورة الموارد.. وهو عضو في الكرة الأرضية والمجموع الإنساني البشري، وكل دولة في العالم تساهم (الشير.. الشير) بما تملك من جهد وفكر وموارد وعرق ليس لتكون أمة ثرية فحسب بل لتصون كرامتها ولا تكون عالة على كوكب الأرض..
إلا نحن السودان..
نفرح وبلادة (لم أقل براءة) الأطفال المتخلفين في أعيننا كلما أرسلت لنا دولة مساعدات.
ويذهب وزراؤنا وسادتنا الأكابر بمنتهى السعادة لالتقاط الصور في مطار الخرطوم وهم يستقبلون “شحنة مساعدات” ربما تكون طعام أو شراب أو دواء أو كساء.. لا يهم نوعها وكنهها، الأهم أن تكون تحت بند “مساعدات”.
في العالم حوالي 192 دولة.. وشعب.. كل منها يدفع نصيبه في المساهمة لتنمية كوكبنا وجنسنا البشري، إلا نحن في السودان نحتفظ بموارد هائلة ولا نتعب في استثمارها.. ثم نمد أيدينا لدول العالم نستمطر الإعانات والإغاثات.. بمنتهى الشراهة.. رجل أنيق في إشارة المرور يتسول الصدقة..
أنا هنا لا أسأل عن كيف نستغل مواردنا، فذلك ترف فكري يجيد ساستنا الحديث عنه.. ولا أسأل كيف ندير دولتنا، ديموقراطية أم اشتراكية أم دينية أم دكتاتورية أم بيزنطية.. لكني فقط أسأل.. أليس في وجهنا مزعة لحم لنخجل بها؟
عندما ترسل لنا دول العالم الإغاثات والمساعدات.. ألا نسأل نفسنا لماذا دائماً نحن اليد السفلى؟ لماذا لا نستثمر مواردنا لنغني أنفسنا ونمنح ونساعد غيرنا..
بصراحة (حاجة تكسف)!!
صحيفة السوداني