الزراعة قبل المجاعة
في السنة الماضية كان حصاد القمح وفيرا، وقد تهللت اسارير وزير المالية السابق الدكتور ابراهيم البدوي وهو يتحدث عن الناتج الوفير من القمح والذي يغطي نصف احتياجات البلاد السنوية من القمح، هذا الإنتاج نتج من وحي العمل الطبيعي على الأرض ولم يكن نتيجة خطة حكومية ضخمة ولا ترتيب بعيد الأثر لاستهداف الزراعة من أجل بناء نهضة زراعية مستمرة، وهذا يوضح الطاقة الكامنة في الزراعة والبشريات المتوقعة في حال الاتجاه نحو الزراعة بكليات الحكومة.
التأخير والبطء في الاهتمام الشامل بالزراعة كمصدر اول للانتاج في السودان يؤخر ويبطيء من ارتفاع المستوى الاقتصادي للسودان، التعامل مع السودان من قبل أي حكومة يجب أن يكون بناءا على انه دولة زراعية، وأن مصدر دخله الأول هو الزراعة وملحقاتها. هذا التعريف مهم جدا من أجل تحديد أولويات الحكم في السودان وملامح النهضة.
الجميع يتحدث عن السودان وكيف كان في الماضي، هذا الماضي الجميل للسودان لم يكن بسبب مصانع السيارات ولا البترول ولا غزو الفضاء ولا الإنتاج الرقمي ولا السياحة وإنما كان بسبب الزراعة، إنتاج القطن في السودان كان المصدر النقدي الأول للدولة، وهذا ماض ولي ولن يعود، في ظل تراجع الطلب على القطن عالميا، وهذا لا يعني التوقف عن زراعة القطن وانما يعني التوسع في إنتاج محاصيل متعددة والاستفادة من الصناعات التحويلية المرتبطة بالانتاج الزراعي، عودة السودان كما كان تعني عودته للزراعة.
السودان سلة غذاء العالم هي الجملة الأشهر التي ينطق بها معظم السودانيين، وهي جملة ليست كاذبة، الكاذب هو جهدنا الضعيف واهتمامنا بالبائس حكومات وشعب بأفضل ما نملك من ثروة قومية متمثلة في الأراضي الخصبة الموجودة في السودان.
السودان لوحده به أكثر من ٤٠% من الأراضي الخصبة في العالم العربي الذي يمتد من المحيط إلى الخليج، هذا العالم العربي يعاني من فجوة غذائية سنوية تقدر بحوالي ٣٠ مليار دولار!!! لو تم استخدام مساحة السودان الزراعية الخصبة بصورة صحيحة فيمكنها بلا شك تغطية هذه الفجوة، فيكتفي العالم العربي ويرتفع دخل السودان ويتطور مستواه الاقتصادي.
من المحزن أن مزارعا او راعيا سودانيا يهاجر من أرض السودان المليئة بالفرص الزراعية وفرص رعاية الثروة الحيوانية ليعمل خارج السودان. هذا مؤسف وعار ، وهذا العار يقع على الحكومات المتعاقبة التي لم تهتم بأهم ما يميز السودان وهو أرضه الشاسعة الخصبة ومياهه الوفيرة النيلية والمطرية والجوفية، وثروته الحيوانية الهائلة.
مع التضخم الحالي والانهيار الاقتصادي المتسارع واتساع رقعة الفقر وفي ظل وجود مجاعات في دول الجوار في جنوب السودان واقليم تقراي فان الحكومة الانتقالية مطلوب منها التفكير في كيفية استثمار اراضي السودان الخصبة وفي الاستفادة القصوى منها عبر قوانين زراعية تمكن المزارعين وخريجي وطلاب كليات الزراعة والإنتاج الحيواني وأصحاب رؤوس الأموال من التخطيط سويا لصناعة نهضة زراعية يستفيد منها الجميع وتقي بلادنا من شر المجاعة.
يوسف السندي
صحيفة السوداني