مقالات متنوعة

التحالف السياسي الجديد .. ظاهرة صحية أم مرضية؟

(الحداثة)
المقال الأسبوعي
الاثنين ١٣ سبتمبر ٢٠٢١

هل يساهم ( الإعلان السياسي) الذي أصدرته، قوى سياسية ومهنية وحركات كفاح مسلح و بعض منظمات المجتمع المدني وجهات أخرى ( 8 سبتمبر 2021) بالخرطوم، في توحيد خطى أطياف من قوى الحرية التي وقعته، أم أنه سيصب مزيدا من الزيت على نار الانقسام ،المشتعلة، في الشارع السياسي والاجتماعي، المُنقسم، قبل وبعد إعلان التحالف؟

أرى أن مناقشة الحدث، يُمكن أن تركز على ست نقاط ، أولا: مضمون ( الإعلان السياسي) وما تضمنه من تعهدات وتوقيته، ثانيا: هل شمل التحالف كل القوى الثورية التي شاركت في فجر السودان الجديد؟، ثالثا: هل هو نتاج عمل مؤسسي داخل الكيانات الموقعة على (الإعلان) أم أنه نتاج مواقف بعض القيادات، التي لم تحتكم إلى المؤسسية في بلورة الرؤى؟، بمعنى آخر هل خضع مضمون الاتفاق إلى تحليل وتوافق داخل مؤسسات كل المُوقعين،أم أنه نتاج مواقف قابضين على ( كراسي السلطة) داخل تنظيماتهم؟.

رابعا: لماذا لم تُعلن في يوم التوقيع معايير تشكيل الهيكلة الجديدة، وكيف يتم اختيار قيادات ( المؤتمر العام) و( الهيئة العامة) و( المجلس المركزي) و( المكتب التنفيذي) للتحالف ، خامسا: ما هي تدابير التواصل مع قوى تقف في مربع آخر، وترفض الانضمام إلى الإعلان السياسي وتتهم موقعي الإعلان باتهامات عدة ؟، سادسا: هل تَعدد (المبادرات) وبينها التحالف الجديد يعكس ظاهرة صحية، أم أنه تعبُير عن حالة مرضية، تمسك بخناق القوى السياسية والمهنية، التي شاركت في اسقاط النظام الديكتاتوري، لكنها فشلت في مواصلة عملها المشترك؟.

المؤكد أن التحالف الجديد فتح باب التساؤلات، وزاد سخونة الأجواء، وعمًق في الوقت نفسه حالة الاحتقان على الساحة السياسية، ما يُهدد بإفشال الفترة الانتقالية، إذا استمر الصراع بين كل القوى السياسية والمهنية (الثورية) أو تواصلت أساليب ضرب أهداف الثورة بأساليب واضحة أو حربائية، أو استمر تعثر أداء (السلطة الانتقالية) وخصوصا الحكومة ( الثانية) بشأن ملفات، العيش الكريم .

( الإعلان السياسي) يتكون من 19 مُرتكزا، تَحظى في رأيي باهتمام، وشد وجذب بين فرقاء الشارع السياسي، المُصطرع، بشأن كيفيات التعامل مع هذه المرتكزات، وهي:( آليات جديدة لقيادة وتوحيد قوى الحرية ) و ( إصلاح الحرية والتغيير) و( إنجاح الانتقال المدني الديمقراطي) و( دعم الحكومة الانتقالية) و(المكون العسكري ) و( حوار مع قوى الثورة والتغيير والقوى الاجتماعية الحية ) و( تنفيذ اتفاقية السلام واكماله) و ( قضايا العدالة ) و( تحسين شروط الحياة المعيشية وحل الأزمة الاقتصادية) و(إصلاح القطاع الأمني والعسكري) و(لجان المقاومة وأنسب صيغ العمل المشترك) و( قضايا النساء ومشاركتهن).

و جاء في الإعلان ( الشباب وفتح طريق القيادة ) و( قضايا الشهداء والجرحى والمفقودون ) و( النازحون واللاجئون) و( المصالحة والسلم الأهلي والتعايش) و( وإزالة التمكين ومكافحة الفساد) و( السياسة الخارجية المتوازنة) و(المجلس التشريعي الانتقالي وأولوية تكوينه) و( التصدي لأية محاولة لقطع الطريق أمام الشعب ، وتسليم السلطة لمن ينتخبه الشعب).
أرى أن الالتزام بتنفيذ هذه التعهدات، والوفاء باستحقاقاتها ، وبما يحقق أهداف الثورة، يشكل قاسما مشتركا بين عديد من القوى والناس، لكن يبقى يُشكل تطبيق التعهدات اختبارا، صعبا، لصدقية التحالف الجديد.

هذا معناه أن يلتزم رئيس الحكومة الانتقالية ( الثانية) دكتور عبد الله حمدوك وحكومته بأولويات ومهمات التحالف الذي يدعمه ، وتنفيذها بقرارات حاسمة تصنع هيبة لحكومته، إذ أن الحكومة هي (حكومة قوى الحرية والتغيير) وفقا لموقعي ( الإعلان السياسي) .
هذا يعني أيضا أن تلتزم الحكومة الانتقالية التزاما صارما بسياسات يضعها التحالف، ولا تُفاجيء المواطن بسياسات ليست محل اتفاق بين قوى (الحاضنة) السياسية، كما جرى خلال فترة الحكومة (الأولى)، والحكومة ( الثانية) ما ساهم في شق (قوى الحرية والتغيير) .

بشأن النقطة الثانية ، هناك قوى أعلنت أنها (قوى الحرية والتغيير) وهي سياسية، مهنية، حركات مسلحة، منظمات مجتمع مدني، وغيرها ، تقف خارج التحالف الجديد، وبينها من شجب تضمين اسمه في قائمة الموقعين على ( الإعلان السياسي) التي جرى توزيعها!.
هذا الجو المحتقن، يُنذر بتسخين حالة الاستقطاب والاستقطاب المضاد، ورفع معدلاتها ، وربما يكون ذلك مفيدا لاختبار قدرات وصدقية طرفي المعادلة، ومدى احتكامهما لنبض الشعب ،بشأن ما يطرحونه من رؤى ومدى تجاوب الشارع مع هذا التحالف أو ذاك، وربما يؤدي فرز المواقف إلى مؤتمر عام، يضم الفرقاء مستقبلا، إذا جرى استشعار خطر إنهيارسقف بيت الحكم، على رؤوس ساكنيه والآخرين، في ظل اضطراب الوضع السياسي والاقتصادي والأمني الحالي.

في 22 أغسطس 2019 سألني تلفزيون ( بي بي سي) عن أبرز التحديات التي تواجه الثورة السودانية ، قلت إنها (تكمن في ضرورة استمرار وحدة “قوى الحرية والتغيير”، إلى جانب قضايا السلام والعدالة والاقتصاد، وأن على هذه القوى التي قادت الثورة، وفي صدارتها تجمع المهنيين، بحكمة واقتدار، أن تواصل مسيرة العمل المشترك وتنبذ الخلافات الحزبية) ،وكتبت في اليوم نفسه مقالا بعنوان ( شتات قوى الحرية يضعف الحكومة السودانية ويهدد الفترة الانتقالية).

في وقت مبكر عبرت عن مخاوفي بشأن امكان تمزق شمل (قوى الحرية والتغيير) وانخراطها في حروب داخلية ضارة، لأسباب عدة ، بينها انعدام الثقة بين قيادات حزبية، وسيطرة عداوات ومرارات قديمة على المشهد .

السؤال الثالث: هل خضع ( الإعلان السياسي) لنقاش داخل مؤسسات القوى الموقعة على الإعلان، هذا سؤال مشروع، لأن بعض القيادات تُحب الانفراد بـالقرار، وتبغض العمل الجماعي المؤسسي، وتغلق أبواب ( الانتقال السلمي للسلطة) داخل كياناتها، إلى قيادات جديدة وشابة، من الجنسين، والدليل أن عددا من الكيانات لم تعقد حتى الآن مؤتمراتها، لانتخاب قيادات المرحلة الجديدة، وكانت تُبرر عدم عقد مؤتمراتها بعراقيل النظام السابق، والآن سقط المُبرر.
وإذا كان الموقعون على ( الإعلان السياسي) هم ( العمود الفقري) لقوى الحرية وحكومتها (الثانية) كما جاء في بيانهم، فالخشية أن يأسرهم هذا الاعتقاد، فيتناسوا أن ( العمود الفقري) يحتاج إلى جسم متماسك ومُعافى، ويتمتع بـمفاصل فاعلة وعضلات قوية، وإرادة فولاذية، ليواجه تحديات الوضع السياسي، المتحرك، والهش، وهو أشبه بحال من يجلس على رمال متحركة.

بشأن النقطة الرابعة، أعتقد بأن كيفية تشكيل قيادات ( آليات الإعلان السياسي) ستكشف توافق الموقعين ووحدة صفهم أو تنازعهم، لأن المواقع أي ( الكراسي) وضرورات الاحتكام إلى المؤسسية، كانت وما تزال مصدر خلاف وأزمة.

وعن النقطة الخامسة، أرى أن هناك ضرورات ملحة تستوجب إعادة بناء جسور التواصل مع من يرفضون مواقف وسياسات التحالف الجديد ، وهم قوى سياسية ومهنية ومنظمات مجتمع مدني وغيرها من الكيانات، الفاعلة، والمؤثرة، والقادرة على تحريك الشارع، لحماية الثورة، أو هز الحكومة.

إذا تمكن الفرقاء من الاتفاق على توجيه بوصلة المواقف باتجاهات تُلبي حقوق الشعب ، وعلى سبيل المثال، توفير العيش الكريم، وصون الحريات، وبسط العدالة، والأمن، والسلام الشامل، ودعم الشباب والمرأة، وتكوين المجلس التشريعي، ووقف سياسة المحاور، أي الانفتاح المتوازن، فان سفينة المرحلة الانتقالية قد تقوى على التعامل مع عُباب السياسة السودانية، متلاطمة الأمواج، وتجتازها بسلام، نحو تجسيد أهداف المرحلة الانتقالية، كشرط لازم لإنجاح مرحلة الانتخابات، وبناء نظام ديمقراطي، تعددي، ناجح.
أخيرا، هل المبادرات، والتحالفات القديمة، والجديدة ، دليل عافية، أم أنها تعكس ظاهرة مرضية؟

أراها ظاهرة صحية ومرضية في الوقت نفسه، فالتحالفات إذا كانت مبدئية ،وقوية، فهي ظاهرة صحية لتحريك المياه الراكدة، (لإنجاح الفترة الانتقالية ودعم حكومتها)، ولكن من خلال احترام أهداف الثورة الشعبية ، والنأي عن التطبيل، والمجاملات، لرئيس الحكومة أو غيره من المسؤولين، وهنا يشكل تكوين المجلس التشريعي، أو تغييبه، محك اختبار مهم للحلفاء الجدد.

سيختبر الشعب هذا التحالف، ليتأكد، هل الهدف دعم الحكومة ، كي ُتنفذ سياسات وأولويات مُحددة في ( الإعلان السياسي) ، أم أنه سيترك الحبل على الغارب، لتتخبط الحكومة في سياسات تزيد المعاناة وتمزيق صفوف قوى الحرية ( وهي جبهتان الآن سياسيا ومهنيا واجتماعيا).

الانقسامات التقليدية على الساحة السياسية السودانية موجودة قبل الثورة وستبقى بعدها ، وستستمر، لأنها نتاج خلاف رؤى ومنطلقات فكرية متباينة ، وهذه مسألة مفهومة.

لكن التحالفات المُتقلبة ، في المرحلة الانتقالية، أراها ظاهرة مرضية أيضا، لأنها تشق صفوف شركاء ساهموا بفاعلية ، في صناعة فجر الثورة، ثم تفرقت بهم السبل، منذ الأيام الأولى لنجاح الثورة الشعبية وسقوط رأس النظام الديكتاتوري في 11 أبريل 2019 ، وكان ضروريا أن يحافظ شركاء الأمس ، أعداء اليوم، على الحد الأدنى من التوافق، كي ينتصروا لثورة الشعب، ولتضحياتهم على مدى ثلاثين عاما.

في هذا السياق، كلنا نذكر دعوات مبكرة ومتكررة، في العام 2019 إلى هيكلة ( قوى الحرية والتغيير) لضبط ايقاعات تحالف ( إعلان الحرية والتغيير) ، الذي كان متماسكا، فأسقط النظام القمعي، لكنها قُوبلت بالرفض الباتً، واليوم، بعد إضاعة عامين من المناكفة والصراع المحموم ، يتم التوافق بين بعض القوى السياسية والمهنية على هيكلة بآلياتها!!!!
برقية:
شباب السودان، من الجنسين، رسم لوحة تكاتف جميلة في موقع الاعتصام، ومن لا يتعلم من دروس المشهد ستُطارده لعنات الشعب والتاريخ.

صحيفة التحرير