مقالات متنوعة

أحمد يوسف التاي يكتب: الانقلاب… الانقلاب


(1)

بإلقاء نظرة فاحصة للمشهد “المتلبك” بتعقيداته السياسية والاقتصادية والأمنية، وبقراءة متأنية لمعطياته الراهنة يدرك المراقب السياسي أن “الانقلاب” الذي نخشاه على ثورتنا الشعبية قد حدث الآن تماماً، لكنه حدث بطريقة غير تقليدية بدون مارشات، وبدون إذاعة بيان أول.. انقلاب أطرافه ليست عسكرية فقط، بل جنرالات وقادة مدنيون ،علاوةً عن أطراف دولية وإقليمية تقابل تلك التطورات بنصف ابتسامة، وذلك لفرض واقع جديد…

(2)

من أكبر الأخطاء التي اقترفها الجانب العسكري بعد نشوب الخلافات ،سحب قوات الحراسة من بعض مؤسسات الدولة، وتعليق الاجتماعات مع الشركاء المدنيين، ورفض الجلوس معهم، كل تلك كانت واجبات ومهام دستورية على عاتق الجانب العسكري لكنه للأسف الشديد خرقها انتصاراً للذات دون منطق أو حجة مقبولة، فكانت بمثابة قرائن أحوال ومؤشرات للانقلاب أياً كان شكله…

هذه الخروقات بلغت منتهاها حينما أغلق رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الباب أمام أية فرصة لتجاوز أزمة الخلاف بين الشريكين وهو يعلن ألا حل للمشكلة إلا بـ(حل الحكومة)، وهو بهذا يقدم دعماً سياسياً ومعنوياً يفوق الخيال للناظر تِرك الذي تجاوز هو الآخر مطالب الشرق العادلة والمشروعة إلى المطالبة بـ(حل الحكومة)، وقد اضفى البرهان لمطالب تِرك “شرعية” وفاعلية بما يعزز الاتهام بأن الرجل مسنود من المكون العسكري ..

(3)

حديثنا عن إخفاقات الجانب العسكري وتركه لمهامه وواجباته الدستورية ومطالبته بحل الحكومة، لا يعني أن الشركاء المدنيين بلا خطيئة، بل أرى أن أس البلاء والمعضلة في ميل قوى سياسية صغيرة لإقصاء شركاء الثورة وممارسة الطمع والأنانية على أوسع نطاق، هذه القوى الصغيرة استفردت بالسلطة وطبقت نهجاً أحادياً ومضت في التمكين لذاتها الحزبية وتوزيع صكوك النضال، وأصبحت تُكلم الناس خلف النظارات السوداء، وفي كل يوم ماضية في استعلائها وسادرةً في غيها هو ما فتح الطريق أمام تمدد نفوذ الجانب العسكري ومحاولة فرضه واقعاً جديداً…

(4)

اختطاف الثورة من قبل كوادر حزبية داخل أربعة أحزاب وانغلاقها وانكفائها على نفسها وعلى أحزابها وتعاملها المشبوه مع بعض القوى الخارجية حقيقة نطق بها أبرز قادة النضال وفي مقدمتهم زعيم الحزب الشيوعي “الخطيب”، فهل الخطيب من الفلول.؟؟ وأخيراً تحدث المناضل الحاج وراق حديث العارفين وحمّل المنكفئين الذين اختطفوا الثورة وضيقوا واسعاً وما اتعظوا، حملهم نتيجة ما حدث فهل الحاج وراق من الفلول؟…

وكما ذكرتُ في هذه الزاوية عشرات المرات أن المخرج من الأزمة يبدأ بتفكيك هيمنة الأحزاب الأربعة الصغيرة، ثم بوحدة قوى الحرية والتغيير كحاضنة سياسية، وحدة تشمل كل الموقعين على إعلان الحرية والتغيير قبل وبعد سقوط النظام، وحينها يمكن مواجهة كل الدنيا بصف واحد كالبنيان المرصوص…

(5)

ثم تبقى الحقيقة المجردة التي لا تحتمل المزايدات وهي أن الخلاف بين الشركاء المدنيين والعسكريين، إن لم ينتهِ الآن سيتحول إلى حلبة صراع تنجذب إليها قوى دولية وإقليمية وانتهازية لإصابة غاياتها، ولا شك أن ثمن انحياز تلك القوى الانتهازية إلى أي طرف من أطراف الصراع هو إنجاز ملف التطبيع مع اسرائيل في أسرع وقت ممكن والذي يبدو أكثر استعداداً للمساومة وإنجاز المهمة سوف تُظهره تلك القوى على غريمه، وتلك فرصة لن تفوتها أمريكا وإسرائيل والدول الدائرة في فلكيهما… فهل من بين المتصارعين على المواقع عقلاء تحدثهم أنفسهم بتفويت الفرصة على المتربصين بأمن السودان واستقراره؟؟….. اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة