أحمد يوسف التاي يكتب: البداية الفعلية لتدمير محمية الدندر القومية
(1)
أصدرت إحدى المحاكم حكماً قضى بتمليك 54 مزارعاً مشاريع زراعية تبلغ مساحتها الكلية 54000 فدان داخل محمية الدندر القومية بادعاء حيازتها في وقت سابق، هذا الحكم كان صادماً للغاية، ومتناقضاً تماماً مع قانون حماية الصيد والحظائر القومية لسنة 1986 المحمية، هذه الخطوة كانت بمثابة فتح الباب للانقضاض على المحمية وتدميرها والحكم عليها بالفناء الأبدي…ويبدو أن السيناريو الأسوأ الذي حذرنا منه كثيراً في هذه الزاوية قد بدأ تنفيذه على أرض الواقع مما يستوجب على كل الحادبين على المحمية الاصطفاف في خط الدفاع عنها إلى آخر شوط… السؤال الجوهري: كيف يحدث ذلك وقوانين المحميات في كل العالم تحظر حتى التقاط الأعواد الساقطة داخل المحميات، وكيف يحدث ذلك وقانون حماية الحياة البرية لسنة 86، وكذلك اتفاقية التجارة الدولية تمنعان أي نشاط في المحميات على مستوى كل العالم؟؟؟!!!..
(2)
في مايو الماضي ذكرتُ في هذه الزاوية أنه في عهد النظام المخلوع مرت محمية الدندر القومية بمؤامرات كثيرة تستهدف القضاء عليها وتحويلها إلى مشاريع زراعية يتم «رميها» لمستثمرين على شاكلة عقد الـ«99» عاماً، لكن بفضل الوقفة الصلبة لبعض قيادات إدارة الحياة البرية وكل الحادبين فشلت تلك المؤامرة ولولاهم لكانت أرض المحمية ذات الخصوبة العالية مُخصصة فقط لإنتاج «البرسيم» المطلوب في دول المستثمرين… أذكر وقفة جمال البلة مدير محمية الدندر وقتها في وجه تمدد المتعافي في المحمية والذي منحته حكومة «عقار» آنذاك التصديق الذي أسند إليه ظهره وتوغل إلى داخل المحمية… نجحت إدارة المحمية في ردع المزارعين الذين تسللوا إلى الحظيرة ( حدود 1935 ـ الامتداد) وإرجاعهم من حيث أتوا، ونجحت في كبح جماح المتعافي، لكن قبل انتهاء المواجهة في العام 2012 تم نقل مدير المحمية جمال البلة إلى الخرطوم… الآن بعد الثورة وصعود مالك عقار إلى قمة السلطة الانتقالية سال لُعاب التجار والمستثمرين والسماسرة وبعض المزارعين مجدداً وانفتحت شهيتهم على المحمية، وإني أرى أن المؤامرة التي ظننا أنها قد فشلت واُخمدت نيرانها قد أطلت برأسها من جديد، فأين أنت يا مدير عام الحياة البرية، وأين أنت يا مدير محمية الدندر الحالي..
(3)
في العام 2012 تسربت معلومات تفيد بأن والي سنار الأسبق أحمد عباس اقترح إزالة أشجار محمية الدندر الاتحادية والاستفادة منها في عمل (كمائن فحم) تمهيداً لجعلها أرضاً زراعية يتم تقسيمها للمزارعين، وفي الحال تصدينا لهذا المقترح بأسنة أقلام حادة حتى وقفنا مع الوالي على أبواب المحاكم، وحينما عجز عن مواجهتنا في المحاكم أصدر فتواه السياسية الشهيرة بإهدار دمنا (هؤلاء الصحافيين الثلاثة لا يستحقون حق الحياة) …
في ذلك التوقيت أيضاً انعقدت ورشة بسنجة لتطوير المحمية كادت أن تتحول إلى مسمار أخير يُدق على نعشها بسبب التراخي والتواطؤ مع متآمرين كل مبتغاهم هو تقسيم المحمية إلى أراض زراعية، وأذكر وقتها أن مسؤولاً كبيراً في ولاية سنار كان من أشد الداعمين لفكرة القضاء على المحمية قال ساخراً: (هي كلها فيها أربعة قرود عاملين ليها قومة وقعدة لي شنو)…
(4)
لا أريد أن أطيل الحديث عن ميزات محمية الدندر التي تجعلها الأكبر والأعظم في أفريقيا، وثاني أكبر وأعظم محمية في العالم فتلك معلومات مبذولة في الشبكة العنكبوتية، لكن ما أوده هو لفت انتباه رئيس الوزراء، ورئيس مجلس السيادة وأعضاء المجلس أجمعين، ووزير الداخلية إلى هذه المؤامرة القديمة المتجددة والتي بدأت بـ(فرية) استعادة «الامتداد» ثم التوغل إلى داخل المحمية والزحف عليها عاماً بعد عام، فالتفريط في محمية الدندر القومية أخطر وأقبح مما كان من تفريط في مؤسسات الدولة الاقتصادية والاستراتيجية العملاقة مجتمعة والتي نبكي عليها الآن مثل الناقل الوطني، وخط هيثرو والاتصالات… ختمتُ مقالي هذا يومها بعبارة:(انتبهوا أيها السادة قبل أن تقع الفأس في الرأس) لكن اليوم وقعت الفأس فهل نجلس ونتفرج على النزيف أم ننقذ ما يمكن إنقاذه وبوسعنا أن نفعل الكثير، ولنا أكثر من عودة بإذن الله..… اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة