تحقيقات وتقارير

حمدوك رئيس وزراء الانتقال بين معارك الرفاق وطموحات العسكر

عند البعض هو (المؤسس)، وعند آخرين هو خادم أجندة المجتمع الدولي في سودان ما بعد الثورة، عند فريق ثالث هو صاحب اليد المرتعشة العاجزة عن حسم الفلول.. أنتم فقط في حضرة الموظف الأممي الذي هتف له السودانيون عند العام 2018 لا تصالح ولا تشارك حين اختاره رئيس وزراء حكومة المخلوع معتز موسى وزيراً للمالية وهو ذات الرجل الذي استقبلته الخرطوم بالطبول والدفوف قبل أن تقوده ليؤدي القسم رئيساً لمجلس وزراء الحكومة الانتقالية قبل أن تسمعه الشوارع هتاف ما بعد التغيير (شكراً حمدوك) كتأكيد على أنه العامل الأكثر تأثيراً في الانتقال الذي تعترضه المصاعب الآن بينما يبحث الكل عن الإجابة عن سؤال أين يقف حمدوك ؟

المطمئن
المواجهة في قمتها بين العسكر والمدنيين وفي أعلى تجلياتها بين المدنيين والمدنيين الطريق إلى الشرق مغلق وصوت يخرج من مبنى مجلس تشريعي الخرطوم بواسطة عضو مجلس السيادة محمد الفكي (هبوا لحماية ثورتكم) فتأتيه أصوات الردود محشوة برصاص المواجهة من المكون العسكري .. اجتماعات الطرفين المدني والعسكري معلقة إلى حين والكل يلوح بالشارع من أجل الإسقاط وحده رئيس الوزراء عبد الله حمدوك يبدو وكأن الأمر لا يعنيه يخرج مغرداً على صفحته الشخصية (اطمأننتُ صباح اليوم ومجلس الوزراء على سير الموسم الصيفي الذي يتجه لأن يكون تاريخياً من حيث الإنتاج والإنتاجية، ووقفنا على التحضير الجيد للموسم الزراعي الشتوي. لقد قمنا بزراعة حوالي 54 مليون فدان بكل البلاد، منها ما يزيد على مليون ونصف فدان من القطن تدشيناً لتوجه الحكومة الاستراتيجي للعودة لسوق القطن العالمي بعد غياب لفترة طويلة نتيجة للسياسات الاقتصادية الاستهلاكية المختلة.) اطمئنان حمدوك بدا وكانه امتداد لطريقة تعامله مع المشهد السوداني منذ وصوله إلى الخرطوم وبدا أكثر بروزاً في لحظة الحديث عن المحاولة الانقلابية كان حمدوك مشغولاً باجتماعات مع مدير البنك الدولي.

سيد الوثيقة
كانت تغريدة رئيس الوزراء الأخيرة بعد صمت طال وفي وقت كان الجميع يمضي في اتجاه أن الفريق الذي يدعمه رئيس الوزراء هو من سيحسم معركة من يجب أن يكون حاضنة للحكومة الانتقالية في المؤتمر الصحفي الأخير لقوى الحرية والتغيير العودة لمنصة التأسيس قال احد اعضائها خميس جلاب بان لقائهم مع رئيس الوزراء كشف لهم عن ميل عبد الله حمدوك نحو الطرف الآخر إلا أن رئيس الوزراء في تعليقه على الأزمة اكتفى بمطالبة الجميع بضرورة الخضوع للوثيقة الدستورية والتوافق بين القوى المدنية من أجل تحقيق أهداف وغايات الثورة من أجل إعادة بناء سودان الحرية السلام والعدالة في موقفه مما يجري بدا حمدوك وكأنه يقف على نقطة واحدة من الجميع فهو رئيس وزراء حكومة السودان الانتقالية محددة الأهداف سلفاً وأن عهده مع الشعب هو تنفيذ تلك المطلوبات قبل أن يحزم حقائب مغادرته السلطة.

الموقف الآن
عقب خطوات التصعيد التي اتخذتها مجموعة قوى الحرية والتغيير العودة إلى منصة التأسيس مقرونة بحراك المواجهة بين المدنيين والعسكر في المجلس السيادي بدا الجميع يتداول وبكثافة الحديث عن حل الحكومة الانتقالية وإبدالها بحكومة أخرى وهو الأمر الذي أطلقه صراحة رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان الذي رهن إصلاح مشكلات البلاد الراهنة بحل الحكومة وما دون ذلك فلا علاج يمكن انتظاره بعد بيان رئيس مجلس السيادة انتظر الجميع رد رئيس الوزراء على الخطوة لكن الأخير اكتفى بالصمت وعدم التعليق في وقت انخرط فيه في اجتماعات متوالية مع مكونات الحكومة من اجل مجابهة الازمة الراهنة والحفاظ على مشروع الشراكة التي يطلق عليها الرجل النموذج السوداني ويرهن تحقيقه النجاح بضرورة العمل في تناغم وانسجام ما جعل البعض يصنفه بأنه أحد خدام العسكر في سودان الراهن قبل أن يخرج ويرد على هذه الأقوال بأنه احتمل مثل أوصاف كونه ضعيفاً وعاجزاً في سبيل العبور بالبلاد التي تعيش وضعاً بالغ الهشاشة ويمكن أن يقود لما يحمد عقباه في حال لم يتم التعاطي معه بهدوء وعقلانية وهو ما يفعله الآن خصوصاً وأن الجميع يصفه بالرجل الذي يواجه أصعب مهمة في التاريخ السوداني وعليه أن يصنع من فسيخ المواجهات القبلية والاستقطاب السياسي الحاد والازمة الاقتصادية عصير التحول الديمقراطي في بلاد ظلت وطوال تاريخها تحت حكم العسكر.

من قال لا
في آخر تطورات المشهد السوداني تنشر قناة الشرق خبراً مفاده رفض عبد الله حمدوك لطلب من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو بحل حكومته الحالية وتشكيل حكومة جديدة تضمن تمثيل عدد من مكونات مجموعة العودة لمنصة التأسيس، وبرر حمدوك رفضه الطلب لمخالفته الوثيقة الدستورية ويتقاطع مع التزامه مع قوى إعلان الحرية والتغيير التي اختارته لمنصب رئيس مجلس الوزراء وبحسب خبر الشرق فإن رئيس مجلس الوزراء رفض أيضاً طلباً آخر بحل لجنة تفكيك التمكين التي يقود منسوبوها الآن معركة المواجهة بين العسكر والمدنيين رفض حمدوك للطلب بدا مفاجئاً لكثيرين ممن يصفون الرجل بأنه صاحب النعم على الدوام بينما يتساءل البعض هل الرفض الذي تم الحديث عنه تكتيكي أم استراتيجي وهل سينحني حمدوك في نهاية المطاف لعاصفة العسكر ويصبح هو قائد النسخة الجديدة من التغيير ؟ أم أن حمدوك اختار سلفاً موقفه من معركة الحاضنة باختياره مجموعة المجلس المركزي ؟

العنصر الثابت
في إجابته على سؤال لماذا اختار حمدوك الرفض للطلب بحسبما تم تداوله ولماذا اكتفى بالصمت طوال الفترة الفائتة يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين والمحلل السياسي عوض أحمد سليمان إن صمت حمدوك في الأساس ناتج عن حساسية موقعه في الجانب الأول بينما في جوانبه الأخرى ينبئ عن حالة وعي مختلفة للتعامل مع قضايا السياسة في السودان خصوصاً وأنها طوال تاريخها ظلت قائمة على صاحب الصوت الأعلى وتصويره بأنه هو الأقوى ومنذ صعوده لكرسي مجلس الوزراء بدا حمدوك في تنفيذ مشروعه للانتقال وهو مشروع محدد الاهداف والمعالم هو صمت من يعرف الطريق ويمشي فيه ويردف سليمان أن انخراط حمدوك في المعارك الدائرة ساعتها كان سيفقده ميزة كونه الوسيط الأكثر مقبولية للجميع والمتفق حوله والمنصة التي يمكن من خلالها العمل على معالجة التصدعات في مشروع الشراكة الانتقالية التي يظل حمدوك هو العنصر الأكثر ثباتاً فيها حتى الآن وبالطبع فإن عملية إبعاده في الوقت الراهن عملية كلفتها غالية ولا أحد بإمكانه الاستعداد لدفع ثمنها مقروناً ذلك بصعوبة التوافق على شخص يكون رئيساً للوزراء في ظل هذه الحالة من التصعيد والمواجهات.

نازع فتيل الأزمات
المتابع لسنوات حمدوك في مقعد مجلس الوزراء يجد أن الرجل كان جزءاً من بعض الأزمات وتحديداً أزمة والي كسلا صالح عمار لكن الأزمة كانت بمشاركة آخرين وينتقده البعض فيما يقولون عنه التردد في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب والعمل على تنفيذ قراراته وهو أمر يتعلق أيضاً بالحاضنة السياسية وتقاطعاتها وتباين مواقفها وما يدلل على ذلك معركة البرنامج الذي قال حمدوك إنه لم يحصل عليه بعد وهي المعركة التي نتجت عن تنفيذ مشروعه الاقتصادي القائم على رؤية اقتصادية تخالف المشاريع الفكرية لبعض الأحزاب المكونة لتحالف الحرية والتغيير.
لكن في مقابل الأزمات التي تسبب فيه رئيس الوزراء ففي المقابل فقد نجح الرجل في نزع فتيل الكثير من الأزمات وعلى رأسها الأزمة التي كادت تقود لمواجهة بين الجيش والدعم السريع قبل أن تنجح اجتماعات حمدوك في تقريب شقة الخلاف وهو ذات الأمر الذي حاول أن يعالج من خلاله الأزمة الناشبة الآن في البلاد.

الكرت الرابح
بالنسبة للكثيرين فإن انتصار أي مجموعة في صراع الراهن السوداني يرتبط بوجود حمدوك على رأسها والدليل على ذلك أنه وحتى مجموعة العودة لمنصة التأسيس تتحدث عن حل حكومة مع ضرورة الحفاظ على رئيس مجلس الوزراء هي تطالب بضرورة إيقاف ما تسميه حالة اختطاف الثورة من قبل مجموعة الأربعة في المقابل فإن المجموعة الأخرى ترى في صحة موقفها بأنه مع رئيس الوزراء في ذات المنصة وحتى من يرغبون في الانقلاب على الأوضاع لا يمكنه تحقيق ذلك بعيداً عن رافعة حمدوك والرجل يقف على منصة كونه كرت رابح من خلال الدعم الدولي الذي يجده فهو عنوان التحول المدني في سودان ما بعد البشير وهو الرجل الذي أعاد البلاد إلى المجتمع الدولي وساهم بفعالية في عملية مغادرة قائمة الدول الراعية للإرهاب بل أنه السبب الرئيسي في تشكيل الأمم المتحدة بعثة لدعم الانتقال في السودان غرضها الأساسي قطع الطريق أمام عودة الديكتاتورية مرة أخرى عليه فإن تحقيق هدف الوصول إلى الهدف رهين بوجود اللاعب رقم (10) عبد الله حمدوك.

السياسي على طريقته
المفارقة تبدو فإن حمدوك يمثل إحدى نقاط الالتزام بميثاق إعلان الحرية والتغيير التي حددت أن يكون رئيس الوزراء من (التوكونقراط) وهو ما حدث ودفع البعض للقول بأن نقطة ضعف الانتقالية وعجزها عن تحقيق أهدافها هي الإتيان بموظف أممي من أجل التعاطي مع قضايا على درجة عالية من التعقيد وهو ما سيؤدي لفشله طال الزمن أو قصر لكن بدا حمدوك على دراية تامة بالتعامل مع المشهد السوداني وتعقيداته وقادرا على التحرك فيه بسلاسة قد لا ترى من الوهلة الأولى بل أنه بإمكانه الاستفادة من تناقضات هذا المشهد لتحقيق أهدافه.

في قمة عنفوان المواجهة يبدو الرجل على درجة من الهدوء يمضي نحو تحقيق أهداف مشروعه المكون العسكري يرفع من تيرمومتر المواجهة وحمدوك يخرج مبتسماً بعد نهاية اجتماع قدم تقارير حول الوضع الأمني في البلاد العميد أبوهاجة يكتب عن ضرورة اتخاذ القرار الصعب بحل الحكومة قبل أن يضطر الجيش لاتخاذ القرار الأصعب فيخرج حمدوك ملوحاً بعلامة الرفض الميناء مغلق وهو هنا يتحدث عن المزايا التي تنتظر البلاد عقب نجاح موسم زراعة القطن وفي حالته تلك يبدو وكأنه يؤكد على مقولة الناظر ترك رئيس الوزراء يبدو (كاتل ضلو لكنه خطير جداً) فهل يوظف خطورته تلك في العبور بالبلاد من متاهتها الراهنة؟

الخرطوم .. الزين عثمان
صحيفة السوداني