أوهــــام وأحـــلام عـــرمــان الــبائــرة
حمي وطيس المفاوضات بأديس أبابا بين الحكومة ومعارضيها في قطاع الشمال بالحركة الشعبية، ليس بسبب قضايا المنطقتين ولا صعوبة حلها، فتلك القضايا الرئيسة لم تطرح على طاولة البحث والحوار أصلاً، فالحركة الشعبية دخلت حلبة التفاوض بأجندة مختلفة حاولت إثارة غبار شديد العتمة حولها، وتكثيف الدعاية وتأجيج النيران بعيداً عن المنطقتين حتى تربح جولة قادمة وهي ضامنة بأن تسخينها للمواقف سيستقطب المجتمع الدولي من جديد وتعطي لحلفائها الدوليين والإقليميين فرصة للضغط على الحكومة وزحزحتها من مواقفها وتليينها لتقبل بما تطرحه الحركة الشعبية.
وثمة أمر بالغ الأهمية في هذه الجولة، متعلق بشخصية المفاوض الأول لقطاع الشمال ياسر عرمان، فالرجل مملوء ومحشو بالأوهام والأحلام الآيديولوجية البائرة، وينتظر ويرتجي أن تحمله أشرعة هذه الجولات التفاوضية والأعمال المسلحة التي تجري في المنطقتين وتحالفه مع حركات دارفور في إطار الجبهة الثورية، إلى ضفاف هذه الأحلام والأوهام، حيث يظن أن تغييراً قادماً في السودان إما بسبب الضغط العسكري أو تفلح الاتفاقيات وما نتج من واقع سياسي جديد في السودان في إضعاف قبضة السلطة القائمة وانفلات اللجام من يدها، الأمر الذي يفتح الطريق أمام القوى المعارضة للإجهاز على النظام ونحره!!
ولم تكن مواقف الحركة الشعبية في هذه الجولة التفاوضية التي انفض سامرها وتفرق روادها، سوى تكتيك فاقد للقدرة والكفاءة والفاعلية، لتحقيق ما تريده والظهور أمام الوسطاء والمراقبين بأنها بالفعل ترغب في السلام، وتريد إنهاء معاناة أهل جنوب كردفان والنيل الأزرق، والدليل على ذلك أن وفد الحركة حاول إغراق الجولة التفاوضية في وحل القضايا الانصرافية البعيدة عن تفويض وموضوعات التفاوض، وفشل في ذلك بدليل أن الجولة لم تنفض ويعلن فشلها وانهيارها كما كانت تتوقع الحركة الشعبية، فقد تنبه الجميع بما فيهم الوساطة إلى ضرورة المضي قدماً في توفيق الرؤيتين وحسم تفويض الآلية رفيعة المستوى الممنوح لها من الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن الدولي في قراره رقم «2046» بجعل منبرها يختص بمناقشة قضايا المنطقتين فقط.
وفشل عرمان ووفده في جرِّ الجولة التفاوضية إلى الوحل اللزج حتى تنزلق الأرجل ويسقط الجميع في الطين، فقد كان الوفد الحكومي واعياً وحكيماً وصلباً، فواجه كل الاستفزازات وتعامل بحسم وحزم من المحاولات التي كانت تجرى لإحراجه وتوريطه في الخدع والمنزلقات المنتصبة أمامه، ونظراً لتنوع وكفاءة وأهلية الوفد الحكومي وحسن اختياره وقوة تكوينه، فقد تحلى الوفد الحكومي في المفاوضات واللقاءات سواء في الاجتماعات المباشرة أو الرسمية مع الآلية أو الجانبية مع أعضاء وفد الحركة أو مع المبعوثين الدوليين وممثلي المنظمات الدولية، تحلى بأعلى سمة يتحلى بها مفاوض باحتمال تعنت وتذبذب وفد الحركة الشعبية قطاع الشمال الذي جاء لمقر التفاوض لقيادة معركة إعلامية ودعائية للكسب السياسي، وقد تجرد رئيس وفد الحركة من أية مسؤولية إنسانية وسياسية باستغلاله قضية المنطقتين ووضع معاناة المواطنين هناك وراء ظهره.
والبعد الأخطر الذي لا بد من التيقظ حياله، أن المفاوضات نفسها تتعرض لعملية تمييع وتسييل حتى يفقد الوفد الحكومي ما يمكن أن يمسكه بأصابعه، فالسكرتارية وبعض خبراء الآلية التي تقوم بالوساطة يلعبون لصالح ذات الجهات التي تسخر عرمان ومن معه من أجل أجندتها، فما الذي يجعل المبعوث الأمريكي يقبع في مقر التفاوض «ساكن سكنة»، ويجتمع بأفراد من السكرتارية التابعة للوساطة عارضاً وضاغطاً في اتجاه مقترحات الحركة الشعبية قطاع الشمال، بينما يوزع الابتسامات على وفد الحكومة ويروغ كما يروغ الثعلب. ولذا فإن التفاوض إن لم يبتعد عن التأثيرات الدولية وتدخلات المبعوثين والخبراء الأجانب من خارج القارة، وإذا لم تتم تنقية سكرتارية الوساطة من كبار الموظفين ذوي المواقف المسبقة من السودان ويحملون أجندة معادية، لا يمكن أن يحقق الهدف منه في نهاية الأمر، ويمكنه أن يسفر عن تسوية سياسية وفق المنهج المتبع، لكنه منهج يعالج الأعراض لا الأمراض .
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة