مقالات متنوعة

محجوب مدني محجوب يكتب: داعمو إدارة الحكم بين العسكرية والمدنية


محجوب مدني محجوب
مهما يعظم الدعم، ومهما يبذل الجهد؛ لتجميل وتحسين الخطأ، فلن يتحول إلى صواب.
وبالمقابل مهما يقلل من قيمة الصواب، وتشوه صورته، فلن يتحول إلى خطأ.
فإن الأم مثلا لن تهمش، ولن تقلل قيمتها في تربية الأبناء مهما بذلت الجهود.
ومهما يدعم غير الأم للقيام بمهمتها، فلن يكون مصيره سوى الفشل.
فالشاهد أن الأمور تكتسب قيمتها من داخلها، فالخير خير في ذاته لا يكتسب هذه الخيرية بدعم خارجي.
وكذلك الشر شر في ذاته لن تنتفي عنه هذه الصفة بتلميع خارجي.
هذه الحقيقة تنطبق على قضية إدارة حكم الدولة، فمن لا يصلح لإدارتها لن ينجح مهما بذل الدعم له.
ومن يصلح لإدارتها لن ينتفي عنه هذا الصلاح مهما هوجم.
الذين يدعمون الحل العسكري سواء بدعمه وتلميعه مباشرة أو بعدم ذكر مساويه، فإن هذا الموقف لن يجعله مؤهلا لإدارة الحكم.
والذين يهاجمون الحل المدني سواء بالهجوم عليه أو ربطه بالبعد عن الدين، فإن هذا الموقف لن يقلل من قيمته، ومن كفاءته لإدارة الحكم.
الذين يقفون مع البرهان ومن لف لفه، فلن يأتي يوم يخرجون به هذه البلد من أزمة الحكم سواء مع البرهان أو مع غيره من العساكر.
لا بسبب فشل البرهان فقط بل بسبب أيضا أن العساكر أصلا ليس من مهمتهم إدارة الحكم.
العسكري الذي يقدس أوامر رئيسه، والذي يقدس زمالته العسكرية، فلن يصلح لإدارة الحكم مهما تجمل صورته.
والمدني وإن تبنى موقفه اليساريون والعلمانيون، فلن يقلل ذلك من أهليته لإدارة الحكم.
ذلك لأن إدارة الحكم من طبيعته التصويب، والتغيير والمحاسبة.
ومن طبيعته الاعتراف بالخطأ، والاحتفاء بالصواب بغض النظر عن مصدرهما، وهذا الأمر لن يتحقق إلا مع الجانب المدني.
هل قدرت المؤسسة العسكرية صغار الضباط الذين وقفوا بجانب الثوار؟
أم استغلت قانون الجيش وعقدت لهم محاسبة عسكرية؟
الصواب هو ألا يجمل من لا يصلح للحكم.
والصواب كذلك هو أن تزال الشوائب والمفاهيم الخاطئة عن المجال الذي يصلح للحكم.
فيا من تمتطي النعامة، فلن يأتي يوم ستتحول لك هذه النعامة إلى فرس.
ويا من تقلل من قيمة الفرس فلن يأتي يوم يفقد هذا الفرس مهمته ومكانته.
أما من يدرك هذه الحقيقة ويريد فقط أن يخدع الناس بها، فقد ولى عهد الخديعة، وولى عهد تجميلها.
فقد أثبتت التجارب وفي كل مرة افتضاح أمرها.
فالذين يهاجمون ويهاجمون حمدوك لدرجة خارج السيطرة.
ويتناسون صمتهم أمام فظاعات البرهان.
فالحقيقة هم لا يهاجمون حمدوك، وإنما يهاجمون المدنية.
هذه المدنية التي من طبيعتها أن تسمح بظهور الجميع.
وبما أنهم لا يريدون أن يظهر غيرهم يرجعون كل الأزمة لحمدوك.
والعسكرية التي تجعلهم هم فقط أسياد الموقف، فلا يذكرونها بسوء، فهم لا يهاجمون البرهان حرصا عليه، وإنما حرصا على العسكرية التي لا تظهر غيرهم.
التطبيع مع إسرائيل جريمة كبرى إذا تبناها المدنيون أما إذا تبناها العساكر فلا خطر منها.
زيارة الوفود من العساكر إلى إسرائيل حدث ليس ذا أهمية.
ومجرد استقبال مسؤول مدني لمسؤول إسرائيلي جريمة كبرى.
الأزمة السياسية سببها المدنيون، وكذلك الاقتصادية والدبلوماسية.
الانقلابات العسكرية وتمثيلياتها سببها المدنيون.
الانفلات الأمني سببه المدنيون.
أزمة الشرق والغرب والوسط وراؤها المدنيون.
المظاهرات تصنع لا للهجوم على الفترة الانتقالية بشقيها العسكري والمدني، وإنما تصنع للهجوم على المدنيين فقط.
موقف صار واضحا لدرجة أنه لا يحتاج لشرح.
أما ما لا يدركه هؤلاء أن مواطن اليوم لم يعد كمواطن الأمس.
وأن وسائل الإدراك والمعرفة لم تعد تجدي معها مقارنة بينها وبين وسائل الأمس.
فلا بد من تغيير هذه الطريقة المكشوفة والساذجة في مهاجمة المدنية في شخص حمدوك، وترك البرهان بسبب الرضا عن العسكرية.
فلا هجومكم للمدنية سيغير حقيقة صلاحها للحكم، ولا تقليلكم من خطر العسكرية سيجعلها تنجح في إدارة الحكم.

صحيفة الانتباهة