مقالات متنوعة

الهنا حميدان تكتب: المخدرات وأولاد الذوات


الهنا حميدان حسن
في تاريخنا المجتمعي و الثقافي وكما ورد في كتب التراث السوداني أنه كانت للمسكرات مكانة وقيمة وطقوس ، فكانت لبيوت الخمور البلدية رخصها ونقابتها التي تحميها وكان روادها من كافة فئات المجتمع وفي بعض القبائل كانت هنالك أنواع من الخمر تعتبر وجبة مغذية يصعب الاستغناء عنها، وكانت الخمور تصنع من المواد المحلية ، الذرة وألتمور وغيرها ، وكان لعلية القوم من أصحاب المال والمكانة ميزات ليست لدونهم فيفترشون لهم افضل الأماكن ودائما ما يكون لهم النخب الأول من الخمر صفوة الصفوة (البِكر) وهذا يكون بأعلى سعر ، اما ما دونهم فيتناولون الفرز الثاني او الثالت ويكون بتراب المال وأحيانا مجاناً ، وللأفندية أيضاً نظامهم فأبناءالأسر الكبيرة المعروفة من التجار وأصحاب المناصب الحكومية فكانت لهم أفضل الخمور المستوردة الأصلية، اما أبناء الطبقة المتوسطة من الموظفين والعمال المثقفين فيكتفون بالخمر المغشوش والمقلد لإنخفاض سعره الذي يتناسب مع دخلهم .
لم يختلف تاريخنا عن حاضرنا الاختلاف الوحيد يكمن في دخول مواد مخدرة أخرى غير التقليدية المتعارف عليها وهنا نقصد المخدرات المصنعة كيميائياً وهي في الغالب مستخلصة من نباتات وأخري وليدة المعامل كل هذه المواد حملت عدة اسماء واتت للمستهلك بعدة صور ، بدرة واقراص ، ومواد سائلة، واختلفت طرق تناولها من الشم والحقن والبلع والمضغ وغيرها من الطرق التي لا تفرق طالما النتيجة واحدة ، هذه المواد هي دخيلة على المجتمع السوداني وكانت بداية الانتشار بأبسط نوع من المخدرات وهو اقراص الترامادول وغيرها من المسميات العلمية (الخرشة) الذي في حد زاتها لا يعتبر مخدر فهي حسب كلام الصيادلة وصناع العقاقير الطبية عتبر علاج للأمراض النفسية والعصبية ومسكن للألآم التي يعاني منها مرضى السرطان وغيره من الأمراض شديدة الألم ، ولكن مع استخدامها لغرض التخدير وإذهاب العقل اُدرجت تحت مظلة المواد المخدرة التي لها مادة في القانون وعقوبة ، كانت هذه البداية وانتشرت وسط فئة الشباب ما دون الثلاثين من جميع طبقات المجتمع حتى طلبة المدارس لم يمانع تجارها في البيع لهم وهم كذلك لم يمانع بعضهم في تناولها لوفرتها وسهولة الوصول إليها وسعرها المنخفض .
وقبل سقوط نظام المؤتمر الوطني بأعوام ليست كثيرة كلنا سمع عن دخول حاويتين محملتين بالمخدرات المصنعة المستوردة من الخارج إلى السودان عن طريق البحر الأحمر ولم يتم الفحص عن اسم هذه المخدرات او نوعها ، وكثر اللغط والحديث عن من استوردها ومن قام بتسهيل دخولها للبلاد ولكن لم نسمع عن أنها قد غزت السوق فالمنتشر وسمع عنه عامة الناس ما ذكر سابقاً حبوب الترامادول (الخرشة) ولكن اتضح لنا أن من انتشرت عندهم هذه المخدرات المستوردة ليسوا من عامة الناس فعليا فعامة الناس لا يستطيعون إليها وصولا لغلاء سعرها وهذه محمدة الفقر الوحيدة في رأيي ، السؤال الذي يُطرح هنا ما حاجة من يملك المال الي شيء يذهب عقله ما الذي بعقله ويريد أن يهرب منه؟ في رأيي لا يهم أن نعرف مما يهرب ولكن المهم هنا الي اين هرب؟ هل الخيار هو الوقوع في براثن المخدرات هو الملجأ؟
هل يكون هذا جزاء الظهور المنحنية والأيدي المرتجفة من تعب السنين والعيون الغائرة من السهر والخوف ، ما ذنب الآباء والأمهات في انهم افنوا عمرهم وصحتهم في توفير حياة كريمة مرفهة متوفرة بها كل ملذات الحياة وطيباتها ، من يمكن له أن يسمي هؤلاء ضحايا المخدرات او المجني عليهم، لا والف لا هم الجناة هم الخارجين عن الفطرة السليمة هم الباحثين عن المتعة والاثارة هم المغامرون بكل ماهو قيم وعزيز هم المنتهكون لأحلام وآمال أهلهم هم قتلة فرحة أهلهم وعشمهم هم من يهدد أمن أسرهم واستقرارها ، كيف لنا أن نُسميهم ضحايا وهم كل مبرراتهم أن أهلهم غافلون عنهم ولا يهتمون بهم وأن كل اهتمام أهلهم ينصب في الأعمال وكسب المال فقط او أنهم بعيدين عنهم بسبب الاغتراب سعيا وراء المال ، ألا يرون أن هذا الإهمال الذي يسمونه هو الإهتمام بعينه الإهتمام في أنبل صوره ، الا يعني لهم ان العمل لأكثر من اثناعشر ساعة يوميا لتوفير كل طلباتهم شيء متعب الا يعني لهم ان التغرب بالبلاد والبعد عن الاهل والعشيرة شيء مؤلم وموحش كل هذه التضحيات وغيرها في نظرهم الضعيف هي إهمال ، كيف يكون الإهتمام اذا ؟ لماذا لم يكون هؤلاء المتعاطين لهذه السموم من ذوي الدخل المحدود غير انها مرتفعة الثمن ؟ رغم أن البسطاء لديهم الكثير ليهربوا منه ولكن يعرفون جيدا أن الهروب سيكون مؤقت فالواقع بكل قبحه يتربص بهم فليست لديهم خيارات كثيرة فهم في سعي دائم او يمكننا أن نقول انهم في حرب مستمرة محاولين تحسين صورة واقعهم فليس هنالك وقت للهروب بالخيال والعيش في الوهم حتى أن خيالهم محدود ولكن احلامهم كبيرة لا تحدها حدود وهذا لا يعني أن ليس هناك من غلبه ضعفه فوقع ادمان الخمور البلدية وغيرها ممن يستطيع الوصول اليه، وسقوط مثل هؤلاء يكون مدويا وغالبا لا تكون بعده قائمة فمراكز معالجة الإدمان مرتفعة الثمن والفقر لا يرحم
ما أريد قوله لأهل هؤلاء الجناة لو كانت المحبة الإهتمام والرعاية والتضحية وسهر الليالي والتفاني في تربية أبنائكم ذنب فأنتم مذنبون بكل فخر فقد صدق الله تعالى في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

صحيفة الانتباهة