رأي ومقالات

الصادق الرزيقي: كيف تدمر دولة ..؟


قبل سنوات قليلة كانت بعض المراكز العلمية المعنية بالتخطيط الإستراتيجي في إحدي الدول العربية ، تناقش قضية ” ما بعد ثورات الربيع العربي ” والآثار الإرتدادية العكسية التي نتجت عنها خاصة في مصر و اليمن و سوريا و ليبيا و ما تعيشه تونس من حالات الشد والجذب ، وجرى في أحدث حلقات النقاش استعراض ما كتبه ( يوري بيزمينوف ) عميل الكي جي بي السابق الذي انشق عن بلده قبيل سقوط الإتحاد السوفيتي السابق و أصبح بحكم الخبرة والتجربة والإطلاع على الأوضاع الدولية يقدم محاضرات و يكتب كيفية تدمير دولة دون أن تطلق طلقة واحدة ..! و كيف يتم تخريب وتدمير الشعوب و خلخلتها و التحكم فيها .. و للرجل رصيد من الكتابات والمحاضرات وافرة المستزيد ..
الذي يهمنا الآن هو المقاربة بين عملية تدمير الدولة ، مع ما يحدث في السودان عقب التغيير الذي حدث في 11 ابريل 2019 ، حيث تتطابق مراحل التدمير مع كل ما ذكر عند كل الخبراء الاستراتيجيين و المفكرين و أهل السياسة ، حيث تقوم النظرية ذات الأربع مراحل بالقضاء على الدولة و تماسكها و جعلها في مهب الريح .
المرحلة الاولي : تبدأ كما يقول ( يوري بيزمنيوف ) بوصول مجموعات مجلوبة من الخارج تضم العملاء المشترين و المجندين مع بعض المبثوثين بالداخل ، تتولى السلطة في البلد المعني ، لإحداث عملية التدمير المقصودة دون أي عمل عسكري ، أولي الخطوات تسمي بـ ( إسقاط الأخلاق Demoralization) و هي عملية مركبة تبدأ بتغيرات جذرية في التعليم و الإعلام و الأخلاق الإجتماعية و خلخلة البنية الإعتقادية و التشكيك قدرة الدين في التأثير علي الفرد و المجتمع ، و مدة هذه الفترة تستمر من ما بين ( 10- 15 – 20 سنة ) و هي فترة كاملة لإعداد جيل جديد و تنشئته و تعليمه و تربيته على القيم الجديدة والبديلة والأخلاق المنحطة و الابتذال ، و جعل هذا الجيل ضائع وسط هذه القيم التافهة التي لا تراعي أو تحترم العقائد الدينية و الأخلاق و المحرمات ، تفسد التعليم و تدمر الدين و تمجد من يحاربونه ، و إستبدال المؤسسات الدينية بمؤسسات زائفة و صنع رموز بديلة تهاجم العقائد والدين يتم تلميعها و تسويقها لتكون بديلاً و تقديمها كنماذج للفكر الحر و الرأي المستنير .. و هدف هذه المرحلة هو نسف الولاء الوطني و إضعافه ، و تفتيت الشعور بالمسؤولية الوطنية لدى المجتمع ، و خلق الرموز الإعلامية الجديدة التي تجد دعماً من جهات غير معلومة و لا تحظى بقبول المجتمع ، تتولى ترويج الأفكار الجديدة و العبث بالنسق الاجتماعي ونشر العقائد الدخيلة و إفساد التعليم.
المرحلة الثانية : وهي مترافقة مع الأولي و تسيران معاً ، فهي كما يقول يوري بيزمنيوف ، متعلقة بــ ( زعزعة الاستقرار ) و مدتها خمس سنوات ، يتم فيها نشر العصبيات المناطقية والقبلية والجهوية والدينية و تسطيح الفكر والوعي المجتمعي ، و العبث بأسس بناء المجتمع وتسخير رموز مصطنعة للتشكيك في الترابط الإجتماعي ، و تركيز اهتمام المجتمع بسفاسف القضايا و شغل الشباب بالملذات و الموضة و العنف و نشر الأجندات المريبة و المطامع الشخصية.
المرحلة الثالثة : هي مرحلة ذات مدى زمني قصير تسمى مرحلة (الأزمة) تستمر من شهرين إلي ستة أشهر وربما تزيد ، حيث تنتشر الفوضى السياسية و الإنفلات الأمني و نذر المواجهات والحرب الاهلية ، وإضعاف مؤسسات الدولة مثل الجيش و الشرطة و القضاء و اعتساف القانون و تدمير نظم الإدارة ، بجانب إرتفاع الأسعار و الإنهيار الإقتصادي و غياب الخدمات الضرورية و إفقار المجتمع وجعله قابلاً للتدمير ..
المرحلة الرابعة : هي التي تقع فيها البلاد بالكامل في يد القيادات البديلة المعدة و الملمعة مسبقاً و هي تتصدر المشهد السياسي و تدين بالولاء المطلق لعدو بلدها الخارجي ، حيث تكمل مهمة التدمير الشامل وتعود من حيث أتت ..
إذا أسقطنا هذه العملية على ما يجري في بلادنا الآن ، نجده نفس السيناريو و المخطط ، ولا تحتاج إلى جدال كثير حوله ، فلننظر إلى ما فعلته السلطة الحالية ( تغيير مناهج التعليم و تبديل القوانين وإلغاء ما يتوافق مع الشريعة والدين ، شطب الدين من التأثير على الحياة العامة ، إفساد أخلاق المجتمع ، إسقاط الشباب في الرذيلة و الملذات الوهم ، هدم مؤسسات المجتمع التوجيهية ، واستسهال الهجوم على القيم الدينية و الأخلاقية ، و نسف الاستقرار والسلام الاجتماعي ، انتشار القبلية و الجهويات و الولاءات الدنيا في المجتمع ، زعزعة الاستقرار و الإنفلات الأمني وانتشار الجريمة و تدمير مؤسسات النظام العدلي و الاستخفاف بالقانون وعدم التقيد به ، وتخريب الإعلام و تسميم الفضاء الأخلاقي الذي يعمل فيه ، و صناعة الرموز المنحطة الجديدة ، و إفساد الشباب ، و التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تدمر الأسرة و المجتمع و الدين .. و أخيراً سيأتي الدور على المؤسسة العسكرية التي يكثر الحديث اليوم عن تفكيكها تحت ذرائع مختلفة خاصة و البلاد كلها اليوم تحت الوصاية الدولية و تديرها البعثة الأممية التي استقدمها وطلبها رئيس الوزراء الذي تنطبق عليه الشروط العمالة و التدمير الممنهج ..)
ختاما يحدد يوري بيرمينوف العلاج بقوله ” إن أقوي علاج لهذا السيناريو ، يبدأ بإيقاف أخطر خطوة هي الأولي – إفساد الأخلاق
وذلك لا يتم بطرد العملاء الأجانب أو أضاعة الجهد و المال للبحث عن من يحرك اللعبة ، و لكن أنجح حل لإفشال الخطوة الأولي هو -إعادة المجتمع للدين – لأن الدين هو ما يحكم علاقات المجتمع و يجعله يتناغم بشكل سلس ، و يحفظ تماسكه في أكثر الأيام سواداً ..”
هذا ما يقوله عميل الكي جي بي السابق ، و ليس علي لسان قيادات النظام السابق أو كوز من الكيزان …!!
واخيراً عرفنا لماذا يطالبون بتمديد الفترة الإنتقالية ..؟ و لماذا لا يتحدثون عن الانتخابات ..؟؟ !!

الصادق الرزيقي


‫2 تعليقات