رأي ومقالات

إجراءات 25 أكتوبر حدثت نتيجة لما قبلها ونتيجة لتراكم إحتقان سياسي وانقسام اجتماعي


خطابات الحقوق هي خطابات خطيرة، ونقصد بخطابات الحقوق تلك الخطابات السياسية التي تقوم على أولوية الحقوق الفردية القانونية والسياسية وفق منظور ليبرالي لحقوق الإنسان، وتقوم بتوظيف فكرة المظلومية لتقديم نفسها في إطار أخلاقي. توظف أشياء مثل : ضد القمع، ضد القتل، ضد….الخ من حقنا من حق شعبنا……الخ
خطورة هذه الخطابات تأتي لأنها تعزل الحقوق عن السياسة، وعن السياق الكلي للصراع. فمثلا :
* إجراءات ٢٥ أكتوبر حدثت نتيجة لما قبلها، ونتيجة لتراكم إحتقان سياسي وانقسام اجتماعي. يترك النشطاء الليبراليون وبعض الحمقى كل ذلك. ويرفضون الحوار والسياسة والنقاش ويقولون: التصعيد الميداني هو الحل، والتصعيد هنا موقف عنيف مهما حاول تقديم نفسه بكليشيهات السلمية. موقف عنيف لأنه يفتح المواجهة على مصراعيها.
تندفع آلاف الحسابات على فيسبوك وتويتر من أجل التصعيد، البعض صادق ومتسق والغالبية منافقة، جزء منهم تناول إفطاره وتمدد على فراشه الوثير ليصعد الأمور ويطالب بالموت. المشكلة ليست هنا لأنها شرور الطبيعة البشرية، المشكلة في أن هذا الموقف بعد أن يؤزم الأمور أكثر من لحظة ٢٥ أكتوبر نجده يترك أساس المشكلة كما ترك ما قبل ٢٥ أكتوبر. ليتحدث عن الموت الجديد، الشهداء الجدد، الضحايا الجدد.
فيصبح وقود يوم ١٣ نوفمبر هي تداعيات ٣٠ أكتوبر، ووقود ١٧ نوفمبر هي تداعيات ١٣ نوفمبر. ثم تداعيات ١٧ نوفمبر هي وقود الأيام القادمة، وهكذا يضيع النقاش والموقف السياسي. ثم ينتهي كل ذلك بتدخل خارجي أو تفاوض بعد أن تتبدد الهرمونات والإنفعالات ويموت عشرات الناس. هذه سياسة بلا مسؤولية، لا نعرف بالضبط من المسؤول. والغريب أننا حين نحاول تقديم النقد يتم النظر لنا كمسؤولين أشرار عن الأحداث.
بالعودة لخطابات المظلومية نقول لمن يحبون الدماء الجديدة – وهم جبناء لا يموتون – نقول لهم:
لا يمكن الحديث عن الحقوق بطريقة معزولة عن السياسة ككل، والسياسة أفقها الحوار والتسوية. ومن يرفض ذلك فهو يؤزم الأمور. وفي كل الحالات ومهما كان الثمن لا عودة للوراء أبدا.

ننبه بعض الإخوة المتدينين من الذين يقدمون خطابات الحقوق باللغة الدينية، وأدلة من القرآن والحديث النبوي. للآتي:
ظاهرة مركزية خطاب الحقوق ظاهرة ناتجة من تسرب ليبرالي؛ تسرب تدفعه شروط العولمة. الفكرة المركزية في الدين هي فكرة (الكلي). والكلي في العقيدة هو التوحيد، وما يتجلى في الحياة الدنيوية هو تمثيل مادي وواقعي للتوحيد. هكذا يجب أن ينظر المؤمن للحياة، ليبحث عن تلك الوحدة الخفية الجدلية بين المتناقضات. لذا فالعقل الديني بالضرورة يجب أن يكون عقلا (جدليا) بالنقيض عن العقل الليبرالي.
والنتيجة لذلك في الخطاب السياسي تكون :
لا يمكن للمتدين والداعية أن يتحدث عن السياسة اليوم عبر باب الحقوق فقط، بل واجبه أن ينظر لها عبر البحث عن الكلي، البحث عن جذور الصراع وخلفياته، البحث عن المصالح الداخلية والخارجية، ثم وضع أولوية لقضية البناء الوطني والقومي للسودان بعيدا عن مشاريع الغير. حينها فكل حرمات الحقوق ستتموضع في إطارها الصحيح والسليم بفقه الكليات وبصيرة الإيمان.
والسلام عليكم ورحمة الله

هشام الشواني