اماني ايلا تكتب.. القتل بالقانون
أماني ايلا
كلما تسفك دماء، ويسقط شهداء، الدولة تتوعد بمحاسبة المتورطين في قتلهم، هوَ مجرد وعد على الورق، لكن حتى اللحظة لم نرَ أيِّ مجرم قُدم للعدالة أو محاسبته على جريمته – كل تلك الأرواح تحسب في طي النسيان السلطوي، ويبقى الوجع ملازماً لذويهم.. لأنه ببساطة شديدة، لا يوجد احترام للقانون ولا عدالة في هذه البلاد المنكوبة بحكامها..
السبب وراء عدم احترام القانون هنا؛ هو أن المواطنين البسطاء يتحمسون لخرقه عندما يجدون الفرصة مواتية لذلك، أما وجهاء القوم في الدولة (شيوخ تقليديون، جنرالات وضباط، أو إداريون مدنيون ورجال أعمال)؛ فإنهم يتبجحون جهاراً بازدرائه وإهانته على مرأى ومسمع من أجهزة الدولة. فعندما يضرب هؤلاء الدفوف احتفالاً بخرق القانون فلا تلوموا المواطنين على الرقص بمحاذاة ظلال نفوذهم الزائلة؛ خوفاً أو طمعاً.
طبعاً العدالة الكاملة على الأرض نسبية جداً ولن تتجسد بشكل كامل إلا في العالم الآخر، لكن في الدول التي تحترم قوانينها ونفسها؛ يوجد أشخاص يتحايلون على القانون بطرق عدة، لكن لا أحد منهم يستطيع اختراق القانون جهاراً أو يتبجح بذلك دون عقاب واضح، وهناك بون شاسع بين الاختراق والتحايل. خلاصة القول؛ إن الدولة التي يكون فيها النفوذ أقوى من القانون، لا تستطيع أن تحارب الفساد في قطاعاتها. والكلام لوحده؛ سواء كان من الحكومة أو النخبة لا يبني الأوطان، بيد أنه مع التوابل النقدية التي يضيفها المدونون ورغم ما يشوبها أحياناً من غلبة الجهوية والقبلية ربما يعجل من ظهور الوعي الأفقي لغالبية الشعب المقهور، ليكون بذلك سماداً يساعد في تحسين الوسط البيئي لنمو دولة المؤسسات والقانون مستقبلاً.
في أمسية سابقة؛ كنت أشاهد فيلماً إيرانياً عنوانه “الجاحد” مع التحفظ على السيناريو، يتحدث الفلم عن أحد قوم موسى عليه السلام قتل ابن عمه حسداً؛ لما تغلب على أقرانه في المبارزة الودية لتحديد أشجع فتيان القوم، وتزوج الفتاة التي كان يحبها الجاحد وسبق أن خطبها وأبت. بيد أنه قتله بطريقة ذكية واتهم شخصاً من قبيلة منافسة كان أيضاً من الخاسرين في المبارزة الودية، ثم حاول إخفاء جريمته في الاستعجال في طلب الثأر، بل إنه أسر أحد أفراد القبيلة المناوئة مطالباً بالقصاص منه. عندما احتكم الجميع لدى موسى عليه السلام؛ أمرهم أن يذبحوا بقرة كما ورد في سورة البقرة، لما ذبحوها وجلبوا القتيل والجميع حاضرون أمام موسى عليه السلام. أعاد موسى الحياة للقتيل بمشيئة الله، ثم أمره بتحديد قاتله وحينئذ تفاجأ الحضور عندما أومأ بأصبعه جهة خليله وابن عمه البعيد جداً عن التهمة! حينئذ أخبرهم موسى عليه السلام بما معناه: “هذا ما سيحدث تماماً يوم القيامة، ستتكشف الأسرار وستتحقق العدالة الكاملة بين المخلوقات؛ فاتقوا ذلك اليوم العظيم”. وأنا أقول للمتورطين في قتل المتظاهرين أيضاً؛ بما أنهم متدينون؛ ويصنعون من تدينهم غالباً مظلة تمنح بعض رجالهم حصانة وهمية؛ اتقوا الله في المواطن. ففي يوم القيامة لا يوجد اختراق أو تحايل ووساطة أو نفوذ، ربما تجدون في الدنيا سلطة مادية أو روحية تساعدكم على اختراق القانون وتقزيمه، بيد أنه في هذه الدنيا جزء من العدالة أيضاً سيتحقق لا محالة مع تضخم الوعي لدى الناس؛ فكونوا قدوة للناس كما كان السلف الزاهد ولا تكونوا قيماً غير متواضعة تستفز الوعي والعدل؛ فتكونوا بذلك أقرب للأصنام التي جاء الإسلام لتحطيم آثارها المضرة بالحرية والمساواة. فلا رهبانية في الإسلام ولا في دولة القانون والمؤسسات أيضاً.
ربما في بلادنا؛ سارق أنبوبة الغاز الصغيرة وسارق مشروع تنموي كبير ليسو سواسية أمام القانون الأول؛ يودع داخل السجن ويضرب ويشتم، والثاني يغرس أظافره في جسد العدالة جهاراً وتأتيه الذبائح وتقام له الولائم، وتعينه الحكومة مرة أخرى، لكن في يوم القيامة المساواة ستتجسد بكل عدالة وعليكم أن تتذكروا ذلك جيداً قبل فوات الأوان. قال الله تعالى في القرآن الذي علينا نقرأه بتدبر: ((فَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ )). وقال أيضاً: ((وَمَنْ يَغْلُلْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))..
حسبنا الله ونعم الوكيل
صحيفة اليوم التالي