مقالات متنوعة

عبدالحميد توفيق يكتب.. السودان والمخاض الصعب

الوجه الآخر لتحركات الشارع السوداني وما اعتراها من أحداث مؤسفة، فيه دلالات على عسر المخاض الداخلي المستمر منذ أسابيع.

لقد قدّم كل طرف من أقطاب السلطة روايته وغايته من إجراءاته.. حدّد كل منهم مواقفه وسقف مطالبه.. تفاعل السودانيون مع آمالهم وأمانيهم، التي رسموها في مخيالاتهم حول ما ينشدون من عهد جديد، فعبروا عن مكنوناتهم وعن تلك الآمال.

مسار العملية الانتقالية في السودان يسير وسط تعرجات لا تخلو من مخاطر، ودونها عثرات تعيق أو تؤخر الوصول إلى الأهداف المرسومة ضمن المدد المحددة.. التجاذبات الحاصلة اليوم بين مكونات الحكم في السودان من جهة، وبينها وبين القوى الحزبية والنقابية والاجتماعية والشعبية من جهة أخرى، باتت تثير كثيرا من التكهنات حول المآل الذي ستصل إليه في نهاية المطاف، كما تبعث على الاعتقاد بضرورة إدارة الأزمة من خلال عملية إعادة ترتيب الأولويات بما يؤدي إلى رسم خطوط جديدة، تُضاف إلى ما بقي صالحا للفترة المقبلة، على أن يرافقها تحديدٌ للصلاحيات، إذ لا بد أن تكون الخطوط الجديدة واضحة بشأنها كي يتمكن كل طرف من معرفة دوره وصلاحيته ومضمار عمله.

تجربة الشراكة بين جناحي السلطة في السودان، العسكري والمدني، خلال السنتين المنصرمتين، كان فيها كثير مما يصلح البناء عليه، لكن بدا فيها كثير من السلبيات أيضا بسبب تداخل الصلاحيات وتباين الرأي حول الأولويات.

السودان يرزح تحت إرث ثقيل من الضغوط والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تراكمت خلال ثلاثين عاما من حكم نظام “البشير”، وعملية نفض غبار تلك السنين تحتاج إلى أكثر من النيَّات المخلصة.. السودان في أمسّ الحاجة إلى اعتماد الوثيقة الدستورية، التي تصلح غطاء لجميع مكونات الشعب، لتكون معبراً نحو سودان الغد ودولته الوطنية من خلال انتخابات عامة وديمقراطية.

التجاذبات بين قطبي السلطة في السودان كانت بادية للعيان من خلال تباين مقاربات كل جناح للمسائل السياسية والاقتصادية على المستويين الداخلي والخارجي، رافقها حراك حزبي واجتماعي وشعبي من قبل قوى الداخل السوداني الساعية إلى عبور المرحلة الانتقالية، وشكّل حراكها بيضة القبان في معادلة “ثنائية” السلطة.

حضور القوى الحزبية والاجتماعية والسياسية ضمن المشهد السوداني بدا مؤثرا في ميزان تيارات السلطة.. سلطة المرحلة الانتقالية في السودان أنجزت خلال العامين الماضيين داخليا وخارجيا الكثير للسودان ولشعبه.. سياسيا أعادت للبلاد حضورها على المسرح العربي والإقليمي والدولي.. اقتصاديا تمكنت من إزاحة مديونية كبيرة أثقلت كاهل السودان على مدار عقود من الزمن وكبّلت وعطلت جُلّ مشاريعه التنموية بسبب فساد السلطة الإخوانية السابقة وعبثها وتهورها.

لم يغب البُعد الاجتماعي عن اهتمامها على مستوى النقابات والأحزاب والقوى الأخرى، فنَمَت وسجّلت حضورها في عملية إدارة شؤون المرحلة الانتقالية.
الاهتمام الدولي بتطورات الأوضاع في السودان يعكس حرصا على عدم التفريط فيما تم تحقيقه خلال السنتين الماضيتين عقب الإطاحة بحكم “البشير”.. الجميع في الداخل السوداني وخارجه يدرك دقة المرحلة وحساسية المواقف لدى الأطراف السودانية الحزبية منها والسياسية، المدنية منها والعسكرية.. التعرجات التي عبرتها السلطة السودانية “الانتقالية”، بجناحيها العسكري والمدني، حررت صورة البلاد من أسْر النموذج الأوحد، الذي جثم على صدر السودانيين نحو ثلاثة عقود.

مجمل التطورات والخطوات والمواقف تشير إلى أن عملية الإصلاح بين شركاء الأمس ليست عصية على التحقق، وأن المخاض الذي بدا صعباً خلال الأسابيع الماضية ما هو إلا جزء من مسيرة التحول نحو مشهد سياسي جديد ومرحلة أخرى من مراحل التحول الديمقراطي، الذي تسعى جميع الأطراف السودانية وتعمل من أجل بلورته وتكريسه في الحياة السياسية.

قد يكون هذا الإطار الجديد عنوانا يمكن البناء عليه وصولا إلى صيغة لشكل الدولة المنشودة، التي تلبي طموح السودانيين بعد سنوات عجاف.

التسوية السياسية، رغم قتامة المشهد، لا بد مقبلة بشكل تدريجي.. من معالمها ما يجري من تعديلات وتغييرات على مستوى مؤسسات الدولة السودانية من ناحية، وما تطرحه القوى والتيارات الأخرى من خطط وبرامج من ناحية ثانية.

المرحلة الانتقالية محكومة بسقف زمني وباستحقاقات ضاغطة.. التحديات كبيرة وضخمة، موزعة بين إرث معيق في كثير من تفاصيله، ومستقبل محفوف بكثير من المنعطفات الحادة.. الإرادة السياسية الوطنية الجامعة سبيل إيصال سفينة السودان وشعبه لشاطئ الأمان.

العين

صحيفة السوداني