حمدوك و متاهة الدولة القديمة العقيمة
سهام الحق
عبدالناصر عبدالرحمن مُسَبَّلْ
حمدوك و متاهة الدولة القديمة العقيمة
لجيل الثورة من العسكريين أقول… لابد من فتح النوافذ لتوأمة مع المدنية تمكنهم من محاورة جيل الثورة من المدنيين ببعض المنثور من جراب مصطلحات (العسكر)..ذلك ما أعتقد أنه مساهمة بيان بالعمل لترسيخ مشتركات تقوي من الفهم و التجانس و التناغم بين ضفتي الخدمة العامة ..عسكرية و مدنية و في ذلك فليتنافس المتشاكسون.
ولجيل الثورة من المدنيين أقول.. الغاز و(ياي الترجيع) الذي جعلته ضمن عنوان الموضوع هو تبسيط لعمل السلاح الأوتوماتيكي، قديما كان السلاح يلقم باليد بعد كل طلقة تخرج من فوهته، التطور التقني قاد إلى أن يعمل السلاح بحركة ميكانيكية تبدأ بضغط الرامي على الزناد فتندفع كتلة الرمي إلى الأمام بإنبساط (ياي الترجيع) فيحدث الإنفجار الذي يدفع بالمقذوف من فوهة السلاح إلى الخارج، هذا الإنفجار يولد غازاً يصغط على مقدمة كتلة الرمي فيجبرها على الرجوع إلى الخلف، وهكذا تتكرر العملية بقوة الغاز و ياي الترجيع ما ظل الرامي ضاغطا بأصبعه على الزناد لا تتوقف إلا إذا رفع الرامي أصبعه أو فرغ مخزن السلاح من الذخيرة.
المتاهة التي وجد السيد رئيس الوزراء نفسه فيها تشبه هذه الحركة الميكانيكية للسلاح كما تشبه متاهة حكومات ما بعد أكتوبر 1964 و إبريل 1985الحقيقة الماثلة للعيان أن السلاح المستخدم في كل هذه الحالات هو (متاهة دولة السودان القديم) والرامي الذي يستخدم هذا السلاح الآن هو النظام القديم البائد بكل تفاصيله من عناصر الدولة العميقة و من المؤلفة قلوبهم و الإنتهازيين و اللصوص و المرتزقة من عملاء الخارج و المأجورين من الداخل، هذا السلاح سيظل يعمل حتى يرفع الرامي يده عن الزناد أو يفرغ مخزن السلاح من عبوته.
اعتقد أن تشخيص السيد الدكتور سابقاً للأزمة و اعتبارها أزمة سياسية عميقة هو تشخيص صحيح شكلا و شحيح مضمونا لانه جاء فضفاضا حيث ينبغي التركيز كما جاء متهيبا حذراً حيث ينبغي الإثبات بالتدقيق و التحديد فالتلويح بالعموميات هو تجسيد مكبر لمصطلح العسكرية.. (الشر يعم).
الأزمة السياسية العميقة التي تحدث عنها رئيس الوزراء أيضاً في السابق هي أزمة (مستوطنة) بجذور ضاربة في أعماق السودان الجديد في هذه الأزمة هو تغير ظروف و شروط و أدوات مواجهتها،لقد أرست ثورة ديسمبر منصات إنطلاق غير هيابة من حيث حسابات قيم الوعي بالأزمة و قيم التصميم على مواجهتها و قيم متبسرات و محددات المواجهة المطلوبة زماناً و مكاناً و قيم فسحات المناورة في المجال الحيوي الذي أرست دعائمه (كتلة ساحة إعتصام القيادة العامة) لكن
يبدو لي ان السيد رئيس الوزراء و برغم أنه لا يشكو من التلعثم حتى في حديثه بلغة أجنبية لمبادراته في السابق إلا أنه أراد أن تأتي (منتفة) بلا ريش و (لاعضماً) بلا لحم و هذا في إعتقادي تطبيق عملي يعكس مفهوم عملية (الإستطلاع بالقوة) التي يعرفها العسكريون فيجعلها عملية (إستطلاع بالضعف) لمواطن قوة الكتلة الإنتقالية،،، إستطلاع يحتاج هو إلى نتائجه لرسم الخطوط المتقطعة لخريطة طريق صراع الإرادات التي يتوقع أن تواجهها الفترة الإنتقالية في مقبل أيامها.
مطلوبات نجاح السيد رئيس الوزراء تتدرج أولاً من مسلمة توجب القبض على الرامي و تفريغ و مصادرة السلاح للسيطرة عليه ثم التقدم خطوة باتجاه إعادة تنظيم الكتلة الإنتقالية (الأصل) بتنقيتها من ما علق بها من عناصر متاهة الدولة القديمة العقيمة وشخوصها و إفرازات خبثها التي لوثت أبناء الخندق الواحد من مهمشي عموم السودان بفيروسات التحاسد و التباغض و التباعد والتشرزم ثم دبغت مراكز إحساسهم بالإنتماء بمركبات كيمياء اللون و الجهة والقبيلة والعشيرة و صبغتها بألوان زخارف شتى لا تشفى من علة و لا تغني من جوع ولا ترفع عنهم إصرهم ولا الأغلال التي دامت عليهم ووسمت تاريخهم جيلاً بعد جيل.
حشد الجهود الصحيحة في الإتجاهات التي تناسبها و التي تتواءم مع مجمل نسق التخطيط لتحقيق شعارات الثورة…حرية..سلام..عدالة يتطلب درجة عالية من الحس الثوري الذي أثبت أن ليس كل كيان سياسي موجود الآن في الساحة السياسية هو بالضرورة مؤتمن على هذه الثورة…و أن العدو الظاهر للثورة خير للثوار (الأصل ) من ألف منافق متنكر برداء ثوري، والسودان لا يحتاج إلى حشد أعداد من حملة شواكيش الطرور الذين لا يملكون إرادة لتغيير حقيقي للواقع البائس… لكنه يحتاج إلى تكاتف و تعاضد جهود عقول تملك إرادة
( الهدم فالتغيير ثم البناء) و تعرف المناهج العلمية و العملية لما هو مطلوب بناءه و لكيفية البناء.
و هذا ما نرجو أن يشقى السيد حمدوك في مسعاه للوصول إليه و نكثر له من الدعاء بالنجاح. تحياتي…
صحيفة الانتباهة