أحمد يوسف التاي.. المزارعون في متاهة
(1)
لو كانت توجد عندنا دولة وحكومة اليوم للفتنا انتباهها إلى الخديعة الكبرى التي تعرض لها المزارعون هذا العام… لو كانت هناك حكومة لأوصلنا لها حقيقة الضيم الذي يعيشه المزارعون الآن ولسردنا على مسامعها مرارة الحيف الذي يعانون… لكن للأسف ظلت الدولة في غياب كامل بعد أن ضاعت هيبتها، فلمن نشكو حال المزارعين التائهين في فلوات بلا دليل ولا هدى ولا كتاب منير وهم يتعرضون لأبشع أنواع الظلم والتدمير والطرد والتشريد من ساحة الإنتاج الوطني من أجل أن يتحول شعب السودان إلى متسول ينتظر الإعانات والمساعدات الخارجية، ومستهلك لمنتجات الخارج.. غياب الدولة هو ما يُزهدنا في رفع الشكوى للحكومة، ولكن لا بأس أن نواسيهم ببعض كلمات…
(2)
قبل ثلاثة أشهر من الموسم الزراعي المطري كان حمدوك ومعاونوه يكثرون من التعهد برعاية الموسم الزراعي وتذليل كل العقبات أمامه بما في ذلك توفير جازولين الزراعة المدعوم حتى اطمأنوا تماماً بهذه التعهدات، ومع بداية موسم الزراعة والتحضير للأرض فاجأ وزير المالية جبريل إبراهيم المزارعين، بل صعقهم بموقف لم يتوقعوه وهو عدم التزام الدولة بتوفير الجازولين المدعوم (رفع الدعم عن جازولين الزراعة)، للأسف حدث ذلك بينما كان المزارعون يصطفون بأفرع البنك الزراعي، ومحطات الوقود في انتظار الجازولين المدعوم والذي كانت تشير التوقعات ألا يزيد سعر البرميل عن خمسة آلاف جنيه… حاول الوزير تضميد جراحات المزارعين وتخفيف صدمة القرار المفاجئ فوعد بإعفاء مدخلات الإنتاج وإعلان سعر تركيزي مجز للمزارعين، وبهذا يكون دعم الدولة الفعلي ذهب للمزارعين بدلاً عن ذهابه إلى (تجار الجاز المدعوم) والسماسرة… لكن ما الذي حدث؟ .
(3)
قبل أن يفيق المزارعون من صدمة القرار الصاعق وجدوا أنفسهم في سباق مع الزمن وأمام الأمر الواقع وبداية الموسم وهطل الأمطار… بالطبع لم يطلبوا من السماء مُهلة قليلة، أو قليلاً من التريث ريثما يتمكنوا من مراجعة قرار الحكومة القاتل، فلم يكن أمامهم إلا خيارين صعبين، إما ترك الزراعة، أو اللجوء إلى السوق السوداء لشراء الجازولين بواقع 150 ألف جنيه للبرميل لأن الوقت قد نفد وانتهى الوقت المحدد للتحضيرات، وبالفعل لجأ بعض المزارعين المقتدرين إلى شراء الجازولين من السوق السوداء، والبعض حصل على الجازولين المدعوم المخصص للزراعة قبل قرار رفع الدعم..
(4)
دخل المزارعون الموسم بتكاليف باهظة للتحضير، وتخلى الكثيرون عن التحضير الجيد، واكتفى آخرون بزراعة 50% أو 60% من أراضيهم بينما لجأت طائفةٌ منهم إلى تأجير الأرض عوضاً عن زراعتها… الذين غامروا ومضوا في العمليات الزراعية كانوا يأملون في أن تفي حكومتهم بوعدها وتعلن سعراً تركيزياً مجزياً للمزارعين، ولكن للأسف خاب الفأل وانقلبوا والإحباط والحسرة تملآن جوانحهم…
(5)
سقوفات البنك الزراعي في التمويل لأغلب المزارعين لا تتجاوز الـ 400 ألف جنيه، وهذه فئة الضمان الشخصي، هؤلاء بالطبع من صغار المزارعين الآن يبيعون جوال الذرة بواقع 4500 ج لمقابلة الحصاد بينما سعره كان قبيل الحصاد بأيام قليلة تجاوز الـ 9000ج … لو كانت البنوك أعلنت سعراً تركيزياً محفزاً للمزارعين لتحركت الأسعار في الأسواق ولما وقع المزارع فريسة في أيدي السماسرة والطفيليين…
(6)
نحن لا نلوم حمدوك، ولا جبريل إبراهيم ولا وزير الزراعة، لأن هؤلاء أيضاً ضحية عدم الاستقرار السياسي …لا يمكن لأي مسؤول أن ينجز وعده، أو تعهداته وإنفاذ سياساته في ظل نظام سياسي مضطرب وفوضى عارمة، وغياب لسيادة القانون، ربما هم جزء من هذا الواقع ومن صناعه، ولكن تظل الحقيقة البائنة أن عدم الاستقرار السياسي هو أس البلاء، ومنبع الأزمات، ومنبت السوء كله……اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة