مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي يكتب: ورحل قائد الملحمة الشريف بلة


(1)

قبل خمسة أشهر وثقنا في هذه الزاوية ملحمة تاريخية قادها الشريف بلة الشريف بابكر أبو قراقيب، وهو أحد السادة الأشراف ومن أبرز قادة الطرق الصوفية بمحلية الدندر، هذا الرجل العظيم ، كان يقود في يونيو الماضي حيرانه والمريدين ويشحذ هممهم ويوجه طاقاتهم نحو بناء الجسور على الخيران التي كانت تشكل عائقاً أمام حركة المواطنين والتجار والمزارعين والمرضى في موسم الخريف، وذلك بطريقي شرق الدندر وغربه، وقد نجح كما علمت في تشييد خمسة كباري غرب الدندر وشرقه بالجهد الشعبي الخالص وشحذ همم الشباب، وقد اعتبرتُ وقتها أن ما قام به الشيخ بلة يُمثل حركة تغيير فاعلة وعلى درجة من الوعي ، وإن جاز لنا التعبير يمكننا القول بأن ما يقوم به هذا الشيخ الجليل يرقى أن نسميه «انقلاباً « مكتمل الأركان أطاح بالكثير من المفاهيم والعادات والسلوكيات التي كانت سائدة في «المسايد والتكيَّات»…حركة التغيير التي قادها الشريف بلة أحالت داره بقرية التكمبري من مسيد ينتظر العطايا والهبات من الحكومات والمحسنين كشأن عدد من «المسايد» إلى مسيد صاحب اليد العليا الذي تنطلق منه المبادرات لإنشاء مشاريع التنمية والنفير الشعبي وتوجيه طاقات المريدين والحيران والتلاميذ وشحذ العزائم واستنهاض الهمم للبناء والتعمير وتسوية الطرقات وإصلاحها وردمها وإنجاز ما عجزت عنه الدولة المركزية والحكومات الولائية والمعتمدين والمديرين التنفيذيين بمحلية الدندر منذ سنوات طويلة…

(2)

عشية السبت تلقيت نبأ وفاة الشريف بلة الشريف أبو قراقيب ببالغ الأسى وحزن عميق شأني شأن الكثيرين الذين عرفوا قدره وفضله وتقواه وورعه وجهده المبذول لأعمال الخير من بناء المساجد والمدارس والخلاوي وكل ما ينفع الناس ويأتي بالخير العميم… رحل الشريف بلة إلى الملأ الأعلى ودار الخلود، وعزاؤنا أنه ترك لنا سيرة ناصعة من البذل والعطاء والفعل الإيجابي وقد شقَّ طريقاً لم يسلكه غيره ، وخطا فيه خطوات لتغيير مفاهيم المسيد في العقل الجمعي ونقله من متلقي للهبات والمساعدات وساحة للزوار والمريدين ومرتع لذوي الحاجات إلى غرفة عمليات وورش تنطلق منها خُطط التعمير والبناء والمساهمة الشعبية الإيجابية في النهوض والتنمية…

(3)

رحل الشريف بلة إلى دار الخلود والنعيم المقيم ، وترك لنا سجلاً حافلاً من الإنجاز الملموس، ونماذج شاخصة من الروح الإيجابية الوثابة ، والشعور الخالص بالانتماء لوطن الجدود، شعور يترجمه العمل وبذل الجهد المخلص لعمارة الأرض ولخير البلاد والعباد…

كان الشريف بلة يقود كتيبة الحيران والمريدين بنفسه ويوجه طاقاتها لإنجاز مشاريع بنية تحتية وتنموية وبناء المدارس والمراكز الصحية بجهود شعبية خالصة دون تدخل من الحكومة حسبما علمنا ، ويتقدم الصفوف من أجل هذا، ولم يتوقف عن السير في هذا الطريق إلا بعد أن أقعده المرض، ووافته المنية في مساء يوم السبت الموافق 27 نوفمبر الجاري…

(4)

رحل الوَرِع التَّقِي الشريف بلة قائد الملحمة والتغيير، بعد أن علمنا دروساً في الوطنية، ونكران الذات وحب الخير للناس أجمعين….اللهم إنا نسألك لفقيد الوطن والأمة السودانية الشريف بلة الفردوس الأعلى من الجنة مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً، ونسألك اللهم له رفقة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في أعلى الجنان.. آمين… خالص التعازي لأبناء الشريف بلة وأشقائه بقرية التكمبري ، ولكل الحيران والمقاديم والمداح والمريدين..اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة: ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة