مقالات متنوعة

أحمد يوسف التاي يكتب: سيك سيك معلق فيك


(1)

نيابة أمن الدولة تبدأ التحقيق مع “10” من المعتقلين… ذلك كان عنواناً مشتركاً بين عدد من صحف الخرطوم الصادرة أمس.. ومن أبرز المعتقلين الذين دونت بلاغات في مواجهتهم بناية أمن الدولة هم بالطبع محمد الفكي ، وجدي صالح، إبراهيم الشيخ، جعفر حسن، إسماعيل التاج وإيهاب الطيب ، وما يجدر ذكره هنا أن أغلب الجرائم الموجهة ضد الدولة في القانون الجنائي السوداني تصل عقوبتها الإعدام، والشاكي في الغالب هو جهاز الأمن والمخابرات…

(2)

من خلال معايشتنا للواقع السياسي وساحته المتقلبة وأحداثه المثيرة، تترآى لنا مواد الجرائم الموجهة ضد الدولة في القانون الجنائي السوداني كأنها حبة “بندول” تُعطى عند اللزوم لإسكات الصداع الذي يسببه الخصوم السياسيون أثناء الصراع والتنازع حول المواقع أو نحوه، وهذا المُسكن الساحر يتحكم فيه دائماً من تؤول له سلطة الاعتقال والتسلط سواءً أكان مدنياً أو عسكرياً…

(3)

في تجاربنا السياسية غالباً ما يشهد المسرح السياسي هدنة بين الخصوم، عندما تسود فيه لغة الحوار، ويتسع في هذه الفترة القصيرة هامش الحريات للإعلام والخصوم على حد السواء، والكل يتصنَّع الحرية والديمقراطية وسعة الصدر وتتمدد مساحات التراشق والمساجلات بين الفرقاء، وما أن تضيق الصدور بكثرة التراشق والمساجلات والمخاشنات وينتهي “شهر العسل” تلجأ الأيدي القابضة التي تتحكم في مفاصل السلطة إلى “حكاية” الجرائم الموجهة ضد الدولة “حبة البندول” لتسكين آلام الصداع الذي يسببه الخصوم السياسيون، والأقلام الحرة..

(4)

منذ أن تمت إجازة القانون الجنائي لسنة 1990 ظلت مواد الجرائم الموجهة ضد الدولة “كرباج” لتخويف الخصوم، ومواجهتهم بتلك المواد التي تصل عقوبتها الإعدام، والمتهم الذي لا تصل إليه السلطة تطلق الأحكام الغيابية في مواجهته حتى وهو في منفاه الإجباري، وقد حدث ذلك للراحل الإمام الصادق المهدي مرتين، وياسر عرمان ومالك عقار، وعندما يأتي الخصوم إلى طاولة المفاوضات تسقط هذه الأحكام وتبدأ دورة جديدة من المهادنة وشهور عسل استثنائية إلى حين إشعار آخر، وهكذا علمتنا التجارب ومعايشة هذا الواقع البائس “المكرور”..

(5)

أهل الإعلام أيضاً لم يسلموا من “تربص” هذه المواد المشرعة كالسيف في وجه “الأعداء”، ومن واقع تجربتي الشخصية مع هذه المواد أستطيع القول إن “التهمة” المدبجة والمنسوجة ببعض مواد هذا القانون تُلقى جزافاً ضربة لازب بلا حيثيات ولا تكييف قانوني ولا تتناسب مع حالة الاتهام، وإليكم هذه النماذج…

(6)

في العام 2014، تم اقتيادي والزميل ياسر محجوب، وحُبِسنا بنيابة الأراضي بتهمة إفشاء ونشر أسرار الدولة وفقاً للمادة (55) من القانون الجنائي ـ إفشاء واستلام المعلومات والمستندات الرسمية ـ والمستندات الرسمية التي يتهموننا بنشرها هي تصاديق قطع أراضي وعقود شراء تخص مدير مصلحة أراضي سابق، ووكيل وزارة سيادية، ومدير بإحدى الإدارات الخاصة بالأراضي، هؤلاء المسؤولون تملكوا العشرات من قطع الأراضي في مواقع مميزة بحكم المواقع التي يشغلونها في الدولة، واتهمناهم بالفساد… تخيل أن تقوم بكشف فساد مسؤول حاز على قطع أراضي بطريقة فيها شبهة استغلال النفوذ، لتجد نفسك بين جدران الحراسات مُتهَماً بإفشاء أسرار الدولة…

(7)

وفي العام 2016 تم اقتيادي والزميل عثمان ميرغني الساعة الحادية عشرة ليلاً إلى نيابة أمن الدولة، واُودعنا حراستها بتهم تتعلق بتقويض النظام الدستوري، وإثارة الكراهية ضد الدولة، والتحريض، والإساءة للقضاء السوداني …الخ وتحت مواد عقوبتها الإعدام، وكل حكاية الاعتقال والحبس وكل تلك الهيصة تتعلق بمقال منقول عن جريدة الشرق المصرية للكاتب المصري فهمي هويدي يتحدث فيه عن عدم نزاهة القضاء المصري (والشُطار ديل أول ما وجدوا عنوان المقال فاكرين أن الكاتب صحفي سوداني يتحدث عن القضاء السوداني)، وأنا كرئيس تحرير مسؤول عن نشر مقال يسيء للقضاء السوداني… عندما طلعتْ هذه نكتة بايخة وفضيحة جاءت اتهامات أخرى تشير إلى أن كتاباتنا ظلت دائماً تدعو إلى تحريض الشارع للتظاهرات وإثارة الكراهية ضد الدولة… يعني سيك سيك معلق فيك، هكذا هي الجرائم الموجهة ضد الدولة، فإنها أشبه بكيد الشيطان… لكن … إن كيد الشيطان كان ضعيفاً….اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة