فرح أمبدة يكتب : أقرعوا الواقفات
مرّت عشرة أيّام على اتفاق البرهان – حمدوك، ولا تزال الساحة السياسية في حالة شد وجذب، في حالة استقطاب واستقطاب مُضاد، وكأن التاريخ في السودان يقف مكانه لا يتحرك، والمؤسف أن التنافُس المحموم “نزل” إلى الشارع، إلى القوى الحيّة في المجتمع، نزل إلى لجان المقاومة والتنسيقيات الأُخرى، التي قادت الثورة حتى أوصلتها إلى بوابة السياسيين، تلك الأجسام العذراء البريئة غير المُلوّثة، لم تسلم هي الأخرى من التشظي والانقسام، وقد تابعنا البيانات المُتعارضة، التي أعقبت لقاء جزء من هذه المجموعات مع رئيس الوزراء، وحتى لا يتدحرج هذا الانقسام الى أدنى المستويات في المجتمع وقبل أن نصحو على مارشات عسكرية في الصباح الباكر، وإذاعة بيان جديد، ما الذي يجب فعله؟.
أولاً: على القوى السياسية أن تعيد قراءتها للمشهد من جديد وبعيونها لا بعيون غيرها، لم يتبق من استحقاق الانتخابات سوى عام وسبعة أشهر، فهل بدأت الأحزاب في ترتيب بيوتها بعد دمار 30 عاماً، حتى تتمكّن من خوض الانتخابات “بقلب جامد”؟.. ألم تُضيِّع ما يقارب العامين في الصراعات والمماحكات، ومعلومٌ أنّ أعمدة الديمقراطية هي الأحزاب، فهل التي نراها أمامنا، مُؤهّلة لخوض الانتخابات، وإذا ما تم ذلك وحصلت على الأغلبية حتى!!، هل هي قادرة على قيادة حكومة تحدث استقراراً يغذي الديمقراطية بالدماء حتى تكون مُستدامة؟ الثورة، دُفع فيها ثمن غالٍ ومُهرت بدماءٍ شابّة، وإذا استمر الحال على ما هو عليه حتى “داهمتنا” الانتخابات، فإن الديمقراطية نفسها ستكون في خطر.
ثانياً: على القوى السياسية، ومركزية قوى الحرية والتغيير على وجه الخصوص، أن لا تغمض عينها مرةً ثانيةً!! عن الأسباب التي شجّعت، وأدّت إلى إعلان بيان 25 أكتوبر، وعن دورها في ذلك، فهل سألت نفسها ما إذا كانت تملك الإرادة السياسية والعزم لاستكمال مؤسسات الحكم الانتقالي، وهل كانت راغبةً في تشكل المجلس التشريعي الانتقالي الذي كان من المُفترض حسب الوثيقة الدستورية أن يكون في مدة لا تتجاوز تسعين يوماً من تاريخ التوقيع عليها، ألم تكن الخلافات حول توزيع المقاعد هي السبب، مثلما كانت سَبباً في عدم تشكيل المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء، والمجلس الأعلى للنيابة، والمفوضيات وغيرها من المؤسسات الدستورية الانتقالية.
ثالثاً: منذ اتفاق أديس أبابا في 24 يوليو 2019 مع حركات الكفاح المسلح، واتفاق القاهرة في أغسطس من نفس العام، وحتى اليوم!!! هل نجحت قوى الحرية والتغيير في ردم الهوة وتقريب المسافة بينها وحركات الكفاح المُسلّح؟ ألم تتركها لقمة سائقة، سهَّل على المكون العسكري ضمّها إليه؟.
رابعاً: مهما كانت ضبابية ما يجري، فهل عجزت القوى السياسية البحث عن طريق ثالث، يؤدي الى الحوار الشامل، وألم تسأل نفسها ما هو البديل لذلك؟، ليس هناك حل غير الوصول الى توافق بين كل الأطراف، من الأفضل وبدلاً من التمترس خلف “اللاءات الثلاثة”, فتح الصندوق، لأن مُربع الخلافات والانقسامات، بدأ يتّسع ويتنزل الى المجتمع، وفي هذا خطرٌ وأيّما خطرٌ!! فهؤلاء هم حراس الثورة، وطريق الحل في رأيي يبدأ من نفض الغبار عن خارطة حمدوك “الطريق الى الأمام” التي قدّمها قبل الانقلاب بعشرةِ أيام، تحديداً في يوم 15 أكتوبر، وأن تكوَّن آلية وطنية بديلة لإدارة الحوار تكون أوسع وأرحب، إذ أنّ هدف “الطريق الى الأمام” كان توحيد شركاء الفترة الانتقالية، وإيصالها الى نهايتها بأمان وسلام ودون ضجيج.
أخيراً: الاتفاق المُوقّع بين البرهان وحمدوك، مهما كان الخلاف حوله، جعل الوثيقة الدستورية المُعدّلة في 2020 هي المرجعية الأساسية لاستكمال الفترة الانتقالية، ومنع إجراء أيِّ تعديل عليها بمعزل عن الآخرين “عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول” وأوكل مُهمّة إدارة الفترة الانتقالية إلى إعلان سياسي لتحديد الشراكة بين المدنيين والعسكريين، فلتكن مهمة الآلية آنفة الذكر، ابتدار حوار مُوسّع وشفّاف بين كافة القِوى السياسية والمُجتمعية وقِوى الثورة الحَيّة لوضع بنود هذا الإعلان السياسي ومن ثم التمهيد لقيام المؤتمر الدستوري، الذي يحدد كيف يُحكم السودان، إذا لم تتحرّك القِوى السياسية سيكتب الإعلان السياسي بدونها وسيكون أمراً واقعاً مثل الاتفاق نفسه، لا بد أن ندرك أن الخلافات والانقسامات التي اتّسمت بها القوى السياسية منذ تأسيسها في أربعينات القرن الماضي، تسرّبت الى القوى الحَيّة التي أنجزت الثورة وسلّمتها لكم، فلنتداركها قبل أن!!!! نواصل بإذن الله.
والله من وراء القصد،،،
صحيفة الصيحة