منى عبدالفتاح تكتب.. مصالح استراتيجي
لطالما وُصفت الأسس التي يقوم عليها تعاون الاتحاد الأوروبي مع بعض الدول الأفريقية في مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر بأنها ما تستحقه أفريقيا من تعاون أمني منذ نيل دولها الاستقلال، فلا جامع من قيم مشتركة أو سياسات ديمقراطية وإنما مصالح استراتيجية مشتركة. وهذه الصيغة الأخيرة هي المحرّك لهذا التعاون المعقد مع النظام السوداني السابق الذي نشط بعد رضوخه لتوقيع اتفاقية نيفاشا عام 2005 وتمهيدها إلى انفصال جنوب السودان عام 2011. كان يُعتقد أنَّ ذلك أحد حلول المعضلة السودانية الداخلية وبداية لوقف تجاوزات النظام وضلوعه في حروب في أقاليم السودان المختلفة. لكن ذلك لم ينه الحرب بشكل كامل إذ تولدت حرب المنطقتين (النيل الأزرق وجبال النوبة) وهي الامتداد الجغرافي لجنوب السودان وكانت جزءاً منه بينما استمرت حرب دارفور.
بعد الفشل في الوصول إلى سلام دائم يوقف انتاج النازحين واللاجئين فيلتحموا مع لاجيء دول القرن الأفريقي؛ عكف الاتحاد الأوروبي على صياغة مشاريع التعاون وأعلن عن “عملية الخرطوم” بين الاتحاد الأوروبي ودول القرن الأفريقي لمكافحة أسباب وتبعات الهجرة غير الشرعية في 28 نوفمبر 2014. نص الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والحكومة السودانية بهدف وقف تدفق المهاجرين عبر السودان إلى أوروبا، على تحويل مبلغ 215 مليون يورو في 2018 لرقابة صارمة على الحدود، وتحسين ظروف اللاجئين على أراضيه إلى حين ترتيب أوضاعهم. قامت الحكومة على إثر ذلك بنشر الآلاف من قوات الدعم السريع، على الحدود بين السودان وليبيا لوقف عبور المهاجرين غير الشرعيين. استمر هذا التعاون على الرغم من تعبير بعض المنظمات الحقوقية الدولية عن قلقها من التعاون بين الاتحاد الأوروبي ورئيس النظام السابق عمر البشير المطلوب للعدالة الدولية.
استمرت هذه العملية إلى قيام الثورة وسقوط النظام السابق في 2018، وأصدرت قوات الدعم السريع بياناً في سبتمبر 2019 أوضحت فيه أنها قامت على الحدود السودانية الليبية بعملية نوعية تمكنت خلالها من القبض على 18 مركبة ذات دفع رباعي تقوم بتهريب الضحايا إلى ليبيا. ثم دخل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في شراكة مع الحكومة السودانية متمثلة في “الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب”، ورصد مليون دولار لتمويل المشروع. وبدخول الأمم المتحدة وتطور الأهداف من الاستعانة فقط بالسودان إلى التركيز على بناء قدرات الحكومة السودانية في ملف مكافحة الإرهاب، يمكن القول بأنه انتقال من تعاون ثنائي إلى ثلاثي، وأنه تحول من مرحلة التعاون القائم على الاستعانة بنظام غير مقبول دولياً كان يتعامل معه الاتحاد الأوروبي على مضض، إلى تعاون شراكة في ظل الحكومة الانتقالية. ترمي هذه الاتفاقية إلى التوصل إلى تعاون دائم، ويتزامن مع رغبة الخرطوم في اتخاذ الخطوة الأكبر بالعمل عن كثب بعد شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في ديسمبر 2020.
في أغسطس 2018 عُقد الاجتماع الوزاري الثالث لتأمين ومراقبة الحدود المشتركة التي تضم السودان، وتشاد، والنيجر، وليبيا، ولم يكن غريباً أن يتخذ سمة أمنية نظراً للظروف التي تمر بها هذه البلدان. كان الاجتماع مواصلة للبروتوكول الموقَّع لتعزيز الأمن ومراقبة الحدود المشتركة بين هذه الدول في مارس من نفس العام في العاصمة الرواندية كيغالي على هامش قمة الاتحاد الأفريقي. وتبعه اتفاق للتعاون القضائي والتوقيع على المبادئ العامة لآلية تعزيز أمن الحدود بين الدول الأربع بالعاصمة التشادية أنجمينا التي أُنشئ فيها مركز عمليات لمحاربة الجماعات الإرهابية ومكافحة التهريب والاتجار بالبشر. ومنذ ذلك الوقت لم نسمع بأي نشاط لمكافحة هذه الجرائم، فهل توقفت المكافحة فعلاً، أم هو نتيجة لقصور إعلامي؟
صحيفة السوداني