عن الورّاق السوداني الكبير عبد الرحيم مكاوي
د. أسامة الأشقر
أول معرفة بالأستاذ المربي عبد الرحيم مكاوي الناشر الشهير وصاحب دار الكتب السودانية كانت من خلال الأستاذ عدنان سالم رئيس اتحاد الناشرين السوريين آنذاك، وصاحب دار الفكر الشهيرة التي تجدها في منطقة البرامكة بالعاصمة السورية دمشق، يومها حدثني عن مكتبة سودانية ضخمة تعاقدوا مع صاحبها قديماً على أن تكون بوابتهم إلى إفريقيا وبوابة إفريقيا إلى إصداراتهم، وأنهم باتوا أقرب لشركاء مع صاحبها في كل تفاصيل العمل نظراً لمهنيته واحترافه وسمعته وشبكة علاقاته، وعلى مدار عقود توثقت هذه الصلة وكبرت بينهما، ويومها قلت للناشر السوري الكبير إن المكتبة الوحيدة التي يمكن وصفها بالضخامة هي الدار السودانية للكتب فهزّ رأسه موافقاً، وقال: هي المقصودة !
ثم ذهبت إليه وجالستُه مرات عديدة، أكثرها عند مدخل المكتبة حيث يجلس كثيراً ويظنه الكثيرون موظف استقبال يوزّع الأكياس ويخدم السائلين، وهو يجيبك بثقة وهدوء وتواضع، وإذا عرفك جيداً ورأى فيك علماً وفائدة أحبّ أن تجمع بينكما مائدة إفطار متيسرة تكون عادة من طبق الفول المصلّح المرشوش بالجبنة وزيت السمسم …
كان مجلسه غزير الفوائد تستمع فيه إلى تجربة ناضجة في عالم الكتب والمكتبات وفي أذواق القراء واهتماماتهم وشواغلهم، ويتجنّب مداولات السياسة ومخاصمات التجارب التي خاضها في صدر حياته، ويفضّل أن يكون فيها نحو الحياد رغم أنه يمتلك رأياً واضحاً مستدَلّاً عليه، وكان يشير بطرف خفيّ أن السياسة والتجارة ربما تتعاكسان وتتناقضان فيجب على التاجر الذكيّ أن يكون في الجانب الموضوعي، وأن ينصرف عمّا يضعه في جوانب منحازة، خاصة إذا كان يسعه أن يكون في هذه المواضع.
لقد كانت مكتبته رافداً مهماً لنا في حقبة دراساتنا العليا، ولا نكاد نحتاج مصدراً أو مرجعاً إلا وجدناه عنده مع ذوق رفيع واهتمام أنيق من موظفيه الذين يعملون وفق إرشاده وخبرته في التعامل مع طلّاب المعرفة.
وكان يعجبني فيه أنه كان حريصاً على إثراء المكتبة بالإصدارات السودانية والتعريف بالمؤلفين السودانيين ولاسيما العمالقة منهم، ويجعل هذه الإصدارات في أول الطوابق وأول ما يتجه إليه المتجوّل في المكتبة في المنتصف بعد أن يرى طبعات المصاحف المختلفة إلى يمينه.
رحم الله الأستاذ عبر الرحيم مكاوي وتقبله في الصالحين
صحيفة اليوم التالي