رأي ومقالات

الشواني: جزء من حكاية تجربة جذور سياسة الجهل والقبح


من الحلول العملية الممكن تنقذ واقع الشباب السوداني وتطلعم من تضليل السياسة الحالية هي عودة الجامعات، وعودة السياسة للجامعات. اللي كان بيحصل زمان هو انو الشاب في عمر ١٨ سنة وهو داخل الجامعة برلوم بيكون عندو شعور انو ما عارف في السياسة كتير، بيحترم الطريقة المعروفة وواللي بتقوم على القراءة أو النقاش أو الاستماع لأركان النقاش، طبعا جزء كبير من البيتقال في سياسة أركان النقاش فارغ لكن عموما في شعور إيجابي حول الرغبة في البحث والمعرفة. بعد مدة الشاب دا ممكن ينتمي لاتجاه ما أو يبعد من السياسة لكن بيكون عندو تصور ما لحلفائه ولي إنو داعم مين وضد مين.
السياسة البتكلم عنها دي نحنا لمن دخلنا الجامعة ٢٠٠٦ كانت عاملة كدا، قبلنا لمدة طويلة كانت عاملة كدا، كل عضو جديد في حزب أو شاب مستقل سياسيا وعندو اهتمام بالشأن العام بتلقاهو مهتم بالقراءة أو البرنامج أو التنظيم، وعايز يعرف تاريخ السودان وتاريخ فكرته. عموما فاهم إنو السياسة عملية ضخمة وعندو شعور بموضوعيتها وتقدير لرموز معينين أكبر سنا. نحنا في نهاية خروجنا من الجامعة ٢٠١١ كنا شهود على تحول مهم وكبير. جيلنا دا تحديدا هو الشاهد عليهو بوضوح وفي كلام كتير أنا ممكن احكيهو وأشرحو من خلال تجربتي لايسع المجال لذكره كاملا.
المهم بعد العام ٢٠١٠ وانا وقتها ماشي على السنة الأخيرة جات ثورات الربيع العربي، جيلنا انفعل جدا مع الموجة الثورية دي ومع أشكالها وبالضبط دي النواة الحقيقية لتمظهرات ثورة ديسمبر ٢٠١٨. أشكال لجان المقاومة بدت هناك، التأثير الإعلامي عبر فيسبوك وتويتر بدأ هناك. جماعات العمل الطوعي اللي أدخلت عشرات الناس للسياسة بدون تفكير أو توجيه أو رؤية بدت هناك، نشوء أبطال جدد رومانسيين من معتقلين ومناضلين، الصورة والفيديو كانت أبلغ أثر وأقوى رسالة وهي بطبيعتها وسيط يكرس للسطحية. بتذكر جيدا تجربة ٢٠١٢ والمعتقل مع شباب كتيرين، كيف طلعنا لقينا نفسنا أبطال فقط بالصورة والفيديو، وهنا تحديدا بدأ التأثر التلقائي والمخطط بأدبيات صناعة ثورات سلمية ملونة لكتلة الشباب الجدد ضد السياسة القديمة كلها. لكن الخطورة كانت ضد تقاليد المعرفة والقراءة والحوار والتساؤل لصالح الهتاف والشعبوية والتنظيمات المحايدة المستقلة غير الواعية بانحيازها.
البذور الأولى لاشكال لجان المقاومة كان جيلنا شاهد عليها،حركات زي شرارة والتغيير الآن وقرفنا ومنظمات طوعية كتيرة ولجان أحياء كانت هي البذور للشكل الجديد للسياسة. وبدت سياسة الجامعة تموت وتضمحل لصالح تنظيمات مستقلة فارغة المضمون لكنها جاذبة جدا. لو عايزين نفسر ليه كانت جاذبة جدا فدا حيكون كلام كتير بس عموما فكرة دخول تنظيم لا يطلب منك قراءة ولا اجتهاد ولا يحملك مسؤولية تاريخ كانت مغرية لخفة العصر الميدياوي.
نحنا في ٢٠١٨ وصلنا قمة تشكلات مابعد الربيع العربي، بتصالح كامل مع الجهل، وتصالح كامل مع اللابديل، وتصالح كامل مع القبح. وحاليا لمن أسمع ندوة لشباب صغار بيتكلموا عن اللجان والسياسة كلام ٩٠ % منو خطأ بشعر بخطورة الشكل الجديد للسياسة، وضرورة استعادة نقيض الشكل الحالي، الشاب دا قبل ١٥ سنة كان حيكون مهتم يقرأ ويناقش ويتعب مخه شوية، لكن اليوم هو مفتكر روحو بطل، منقذ، تيار حاسم، نهائي، يملك الحلول.
التنشئة السياسة لازم تعود، وغالبا عودة السياسة للجامعة حيكون رهان مهم جدا، لأنو الافتراض بيقول إنو فراغ الجامعة الفكري خلق تنظيمات ليبرالية شعبوية وتضخمت مع أثر الميديا، حاليا أي شعور بالرغبة في البحث والمعرفة هو حاجة أيجابية وبذلك فساحات الجامعات لو ازدهرت من جديد وبوسائل فعالة حا نقدر نواجه حالة الجهل والقبح واللابديل.
وحقيقة لمن أسمع وأشوف التمظهرات الحالية ونهاياتها وأتذكر بداياتها بعرف كيف إنو أوصاف الجهل والقبح متسقة تماما، وبرضو أعرف ظلام المستقبل في ظلها، وكذلك أشعر بأن هؤلاء ضحايا وليسوا فاعلين.

هشام الشواني