مقالات متنوعة

مغامرة في الســاحة الحمراء

محمد المبروك

– لعل البني آدم السوداني لا يميل للمغامرات. ربما يحدث نفسه بمغامرة ما ثم يهملها، كما فعلت أنا مثلاً.
– على أيام الطلب في المدرسة الابتدائية، كانت تلك الإذاعة المدرسية، يشرف عليها أستاذنا في مادة الرياضيات، مساعد الأمين العام لاتحاد المعلمين العرب فيما بعد، الأستاذ محمد عبد القادر غندور.
– عصر ذلك اليوم، كنّا نتسلق شجر المدرسة الوارف في انتظار (درس العصر) حينما دوى اسمي بين جنبات الشجر، بصوت أستاذ غندور يطلب مني الحضور لمكتب الإذاعة.
– هرولت لمكتب الإذاعة وهناك أذاع الأستاذ سبب استدعائي وهو أنني حللت إحدى المسائل الرياضية بطريقة جديدة بخلاف طريقة الكتاب، وكانت الجائزة هي حوار أجراه معي أستاذ غندور شخصياً. لا أذكر ماذا “هبَبَت” في ذلك الحوار، ولكن أذكر إجابتي على سؤال: أي مكانٍ تريد زيارته في المستقبل؟ أجبت بلا تردد:(جبال الأنديز). لعلك عزيزي القارئ تريد أن تعرف هل حققت تلك الأمنية وزرت جبال الأنديز فعلاً، وقد مضى على ذلك اليوم المدرسي ثلاثة عقود من عمر الزمان؟ الإجابة هي لا. بل لم أذكر تلك الأمنية إلا لحظة كتابة هذا المقال.
– إنما كانت تلك الأيام، أيام الملحميات والمغامرات الكبرى. ولعل أشهرها مغامرة الألماني ماتياس روست، التي هزّت العالم يومها وهي مناسبة هذه المقدمة:
– في 28 مايو 1987م فاجأ مغامر وهــاوي طيران ألماني اسمــه ماتياس روست، 19عاماً، فــاجأ العالم حين هبط بطائرته سيسنا الصغيرة في الســاحة الحمراء في قلب موسكو، بعد أن دار عدة دورات حول مقار الزعامات السوفياتية في الكرملين ، مخترقاً ثــاني أقوى الدفاعات الجــوية في العالم آنذاك!
– تسلل روست مضللاً الرادارات السوفياتية على شواطئ بحر الشمال، وطار مسافة 700 كلم في عمق الأراضي السوفياتية، وصولاً إلى العاصمة موسكو، وحط قرب الكرملين من دون أن يكشفه أحد.
– فيما بعد وبعد 25 عاماً من الحادث قال روست : “الفكرة واتتني بعد لقاء غورباتشوف والرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان في آيسلندا عام 1986م وفشلهما في التوصل إلى نتائج واضحة على طريق السلام العالمي. ويضيف «فكرت وأنا في الساحة الحمراء أن أطير مجدداً وأهرب، ثم قررت أن أبقى وأن أتحمل تبعات ما فعلت».
– لن تعرف لماذا علقت تلك المغامرة الخطيرة في أذهان العالم إلا إذا تذكرت الستار الحديدي الذي كان يحيط بدول أروبا الشرقية وما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي .. تلك الأيام.
– هنا، في هذا السهل الاستوائي المعروف بالسودان لا نحب المغامرات ووجع الدماغ .. نحيا في هدؤ ونرحل في هدوء. وربما كان الخير كله في ذلك. من يدري؟

صحيفة اليوم التالي