تحقيقات وتقارير

كفالة الطالب الجامعي .. مشروعٌ يُواجه تحديات كبيرة

طلاب يشكون من انقطاع الكفالة وتآكل قيمتها!!

صندوق دعم الطلاب: الكفالة لم تتوقّف لكن تُواجهها تحدياتٌ

بعد ثورة التعليم العالي والانفتاح على التعليم الجامعي، أصبح هناك عددٌ كبيرٌ من الجامعات في العاصمة والأقاليم تستوعب عدداً كبيراً جداً من الطلاب الذين يتم قبولهم لها من مختلف أقاليم السودان, ما يحتم على كثير من الطلاب الابتعاد عن أهلهم وذويهم لفترات طويلة, ربما رتّبت عليهم ظروفاً يحتاجون معها لأن تمد لهم الدولة يد العون, خاصةً وأنّ الطالب الجامعي يُواجه مثله مثل كثير من الفئات المُجتمعية الأخرى أعباء التدهور الاقتصادي الذي تمر به البلاد وكثيرا من الضغوط على كل المُستويات، ذلك الأمر أدّى لأن تكون هناك كفالة للطالب الجامعي بدأت كمشروع محدود, ومن ثم أصبحت حقاً لكل الطلاب, لكن شأنها وكثير من المشروعات الاجتماعية في البلاد لا تلبث أن تُواجه بالعديد من المُشكلات, فقد ظل مشروع كفالة الطالب يُواجه بمُشكلات جمّة جعلته يمضي حيناً ويتوقف احياناً، فضلاً عن كون أن القيمة نفسها أصبحت لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل التدهور الاقتصادي وارتفاع نسبة التضخم خلال الأعوام الماضية.

بدأ الصندوق القومي لرعاية الطلاب بتقديم خدمة الكفالة لطلاب الجامعات الحكومية عام 1991 بـ10 آلاف طالب وطالبة، وكان الدعم في بداياته يتراوح ما بين جنيه إلى جنيهين, وتطور المشروع وارتفع عدد الطلاب المكفولين عام 2014 الى 200 ألف طالب وطالبة, نسبة لزيادة متطلبات الحياة الجامعية، وتلمساً لاحتياجات الطلاب أصبحت فئة الكفالة 60 جنيهاً في ولاية الخرطوم و50 جنيهاً في بقية الولايات حتى منتصف عام 2013، حيث ارتفعت الفئة الى 200 جنيه شهرياً في كل ولايات السودان، ورغم أن المبلغ لم يكن كبيراً آنئذٍ، إلا انه كان يحل بعض مشكلات المعيشة والترحيل للطلاب, ويمثل تخفيفاً ولو طفيفا على الأسر التي تخصم من قُوتها لتوفر لأبنائها في مؤسسات التعليم العالي ليجعلهم ينصرفون للتحصيل الأكاديمي.

انقطاعٌ وتذبذبٌ

منذ العام 2017, بدأت المشكلات تواجه الكفالة الطلابية, اذ لم تكن منتظمة رغم أن الطلاب كانوا ينتظرونها لحل بعض المشكلات, وأصبحت تُواجه بعدم استقرار كبير في توزيعها, وأصبح كثير من الطلاب يشكون من ذلك الأمر.

وقالت الطالبة (ا. ف) من جامعة أمدرمان الإسلامية، إن هناك عدم استقرار في تلقي الكفالة الشهرية, وأضافت “كانت تدفع شهراً وتتوقف في الشهر الذي يليه حتى توقفت تماماً في العام 2019”.

ويكشف الطالب (م. ن) من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا, جانباً آخر من المشكلات التي كانت تُواجه كفالة الطالب، وقال حديثه لـ(الصيحة) ان الكفالة كانت تصرف لطلاب ولا تصرف لآخرين رغم أنهم سجّلوا لها معاً ويدرسون في ذات السنة الدراسية وربما تأتي الشهر المقبل لآخرين وتسقط عن آخرين, إذ لم تكن تنساب بصورة طبيعية على الإطلاق, وهذا ما أكدته طالبة أخرى من جامعة أمدرمان الإسلامية، مُبيِّنةً أنهن كن قد استخرجن بطاقات الكفالة لكن لم تصرف لهم أبدًا, علمًا بأن تاريخ استخراج البطاقة كان في بداية العام الجاري.

لا تكفي!!

ورغم أن مشروع الكفالة يقوم في الأساس على تقديم مبالغ مالية تُعين الطالب على التفرغ للتحصيل الأكاديمي وتساعد الأسر في تحمُّل جزء من مسؤولية تعليم أبنائهم، لكنها قامت أصلاً على فكرة الإعانة وليس التكفُّل بكافة المُنصرفات, لكن رغم ذلك كان الطلاب يعدونها منفذاً لحل مشكلاتهم.

اذ ترى الطالبة (ش. ا) من جامعة بحري أن الكفالة كانت سابقاً تساعد قليلاً في المنصرفات اليومية وخصوصاً في ظل الضائقة التي تمر بها البلاد والظروف المعيشية الصعبة، ولكن ليس بالمستوى المتوقع، كما كانت تغطي 50% من المنصرفات سابقاً, لكن عدد كبير من الطلاب شكوا من أن الكفالة لم تكن تقترب حتى من النسبة المتوقعة لتغطية احتياجاتهم الجامعية من كتب ودفاتر ووجبة إفطار, كما طالب عددٌ كبيرٌ من الطلاب بزيادة قيمة الكفالة كي تغطي منصرفاتهم اليومية في ظل الأوضاع الاقتصادية والضائقة المالية التي تمر بها البلاد.

تدهور

كثيرٌ من الطلاب الذين استطلعتهم “الصيحة” مضوا في اتجاه أن الكفالة كانت في الماضي تعني لهم شيئاً كبيراً كونها يمكن أن تكفي حاجة الطالب لأسبوع على الأقل, لكن مع التدهور الاقتصادي الكبير الذي أصاب الاقتصاد السوداني خلال السنوات الماضية أصبحت لا تعني شيئاً, خاصة وأنها حال وصولها لا تعادل أكثر من “ساندويتش طعمية” أو تعرفة مواصلات خط واحد من المنزل الى الجامعة, ما جعل الكثير من الطلاب يزهدون حتى في استلامها أو الوقوف في صف للحصول عليها كونها لا تغطي أي حاجة لهم, ويمكن أن تنتهي حال ركب الطالب أي خط مواصلات للوصول الى الجهة التي يصرف منها الكفالة, سيما في ظل أزمة السيولة!!

استمرارٌ مشروطٌ

وربما لم يكن الأمر سوداوياً عند الجهة المنفذة للكفالة كما رسمه الطلاب، إذ أنّ الصندوق القومي لرعاية الطلاب برر كثيراً من المشكلات, لأنه أقر أيضاً بوجود تحديات تواجه كفالة الطالب.

فقد أكد مدير إدارة مشروع الكفالة عبد الناصر عبد الحفيظ لـ(الصيحة), وقال: ابتداءً أن مشروع الكفالة لم يتوقّف, لكنه أشار إلى أن صرف الكفالة أصلاً مرتبط باستمرار العام الدراسي في الجامعات ولا تُصرف عند تَوقُّف الدراسة، وبما أن الدراسة في الجامعات في الآونة الأخيرة كانت غير مستقرة تارةً بسبب قيام ثورة ديسمبر, وتارةً بسبب الإغلاق الشامل الذي فرضه انتشار فيروس كوفيد – 19 (كورونا), تَوقّف الصندوق عن صرفها للطلاب, ولكن المشروع لم يَتوقّف عن صرف الكفالة للطلاب, وقطع بأن آخر كفالة قد تم صرفها في يوليو 2021.

مُشكلاتٌ وتَحدياتٌ

مدير إدارة مشروع الكفالة عبد الناصر عبد الحفيظ, أشار الى أن المشروع يعاني من مشاكل في النظام الإلكتروني عَجزَ قسم تقنية المعلومات التابع للصندوق عن حلها حتى اللحظة, لافتاً إلى أن واحدة من هذه المشكلات جاءت من عدم استقرار الدراسة, إذ أنّ النظام الإلكتروني يضع سنوات محددة لكل طالب ويَتوقّف النظام عن إظهار أسمائهم بعد اكتمال السنوات المقررة، مبيناً أن تَوقُّف صرف الكفالة لبعض الطلاب جاء بسبب مرور السنوات المُقرّرة لهم في النظام لصرف الكفالة للطالب, ما يعني أن اسم الطالب قد تجاوز فترة الصرف المُحدّدة بواقع أنه قد أتم فترته الدراسية في النظام, لكن في الواقع لا يزال طالباً بسبب عدم استقرار الدراسة في الجامعات منذ ثورة ديسمبر.

تعقيدٌ

مدير إدارة مشروع الكفالة عبد الناصر عبد الحفيظ, أيضاً أشار لتعقيد آخر لازم عمليات صرف الكفالة، مبيناً انّ بيانات نظام الكفالة كانت مرتبطة بنظام مجلس الوزراء وتم تحويلها لنظام الهيئة القومية للاتصالات في عملية مُعقّدة جداً تتطلب عدة برامج وسيطة، ما أدى لأن لا يتم اكتمال هذه العملية، وأكد أنهم يعملون على حلها بجد، قاطعاً بأنّ المشكلة على وشك الزوال.

بطاقات مُنتهية

عبد الناصر قال إنّ عدداً كبيراً من الطلاب يمتلكون بطاقات كفالة مُنتهية الصلاحية ولا ينتبهون لذلك، واكد ان البطاقات لا تتجدد إلكترونياً وتكون سارية المفعول لمدة سنتين فقط من تاريخ استخراجها إلا إذا قدم الطالب شكوى وجاء بالأوراق الرسمية التي توضح أنه ما زال يدرس بالجامعة فيمكنه تجديد البطاقة والاستمرار في تلقي الكفالة, ودعا الطلاب الذين انتهت فترة صلاحية بطاقاتهم الى مراجعة الصندوق لتجديد البطاقات واستمرار الدعم لهم.

بُشرى

اتفق عبد الناصر مع الطلاب الذين أشاروا الى أن قيمة الكفالة تدهورت وأصبحت لا تكفي حتى توصيلهم للجامعة ليوم واحد وأنها لا تكفي حتى وجبة إفطار واحدة ليوم واحد رغم أنها كفالة لشهر كامل، اذ اكد انهم يعملون أيضاً على رفع قيمة الكفالة, وقال “واحد من أسباب تَوقُّف الكفالة حالياً بعد شهر يوليو 2021 هو أنهم يعملون على زيادة قيمة الكفالة لتصل إلى 1500 جنيه وينتظرون التصديق على القيمة الجديدة للكفالة من وزارة المالية”.

خُرُوج

الواقع الاقتصادي الذي يُحيط بالأسر السودانية وتطبيق الحكومة لاشتراطات البنك الدولي الاقتصادية, تضع على عاتقها عبء تحمُّل مسؤوليتها تجاه الطلاب، فكما نفّذت الحكومة برنامجاً مدعوماً من المنظمات العالمية لتلاميذ مدارس الأساس ونفذت ايضاً برنامج ثمرات الذي جاء كدعم للأسر لتخطي تبعات الإصلاحات الاقتصادية القاسية, عليها أن تتّجه لوضع حلول ناجعة لكفالة الطلاب الجامعيين، فكثير من الاسر سحبت أبناءها من الجامعات لعدم مقدرتها على توفير المال لهم لمواصلة الدراسة, كما ظل كثيرٌ من الطلاب يخرجون للعمل في مهن هامشية وكعُمّال في المصانع لتوفير ما يعينهم على إكمال الدراسة، ما يجعل الدولة مُلزمةً للوصول إلى هؤلاء وتوفير الوضع الملائم لهم للانصراف كليةً للتحصيل الأكاديمي، كما أن على صندوق دعم الطلاب أن يقوم بتعميم تجربة الكفالة على كل الطلاب دُون تمييزٍ ما بين غَني وَفَقير.

تحقيق : هبة القاسم – مروة الأمين
صحيفة الصيحة