مقالات متنوعة

منى عبدالفتاح تكتب تحولات الحرب في دارفور


تحوّلت الديناميات السياسية التي انتهجتها الحركات المسلحة في دارفور من ديناميات مطلبية كانت تشكو التهميش السياسي والاقتصادي إلى عمليات فوضوية لا تجمع بينها قواسم مُشتركة، وتحولت من توحدها ضد النظام السابق إلى انقسامها الحالي، كما تحول عداؤها مع بعضها إلى عداء مع أهل الإقليم. وهو انتقال من المظلومية والمعاناة إلى قيادة صراع غير متكافيء مع مواطنين عُزّل بفرض سلطة خارج سلطة الدولة عليهم للسيطرة على الموارد. غير أنّ الأخطر في هذا التحول هو سيادة العنف المُعبّر عنه في كل حالة بلبوسها، فقد كان قبل الثورة عنفاً إثنياً وصار الآن إلى عنف متشعب يأخذ من الخلافات الإثنية ما يغذي به الصراع الاقتصادي الحالي ويداري في الوقت ذاته عجز الحكومة. أما النقطة المُتفق عليها فهي أنَّ الصراع سياسي بطبيعته حتى مع وجود الدوافع الأخرى. والحركتان الموجودتان الآن في الساحة حركة العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان، من أبرز الحركات التي تمتلك طموحاً سياسياً لا محدوداً وتوجد في الصراعات مثلما توجد في مقدمة محادثات السلام وأوائل الموقعين عليها. كان بإمكان الحركتين أن تكونا الأقرب وجداناً لأهل الإقليم، والأكثر ثقة للسلطة في الخرطوم. ولكن لم يترك لهما تاريخهما السياسي موضعاً للثقة، ففي دارفور نشطتا في الكر والفر مثلما تماهيتا مع النظام السابق، وفي ذاكرة المركز تُعد محاولة غزو أمدرمان في عام 2008، علامة فارقةً أظهرتهما كساعيتين للحصول على السلطة أو الحفاظ عليها في ظل الحكومة الانتقالية، وأبانت فيما بعد أن تلك العمليات لم تكن مُستلهمة من الحمية الإثنية وإنما من هدف سياسي واضح.

في ظل غياب الإدارة السياسية والأمن، فإن هذا الصراع على الموارد يمكن أن يتفاقم إلى أعلى المستويات وهو التحدي الذي يواجه الحكومة الانتقالية ومن بعدها أي حكومة ديمقراطية قادمة. وهنالك مشكلتان تواجهان النظم السياسية المتعاقبة في السودان والتي تعاني منها السلطة الحالية أيضاً وهي، الأولى فيما إذا كان بالإمكان خلق نظام إداري سياسي جديد في دارفور، والثانية إذا ما كان النظام المُجترح قادر على التعامل مع مشاكل الإقليم المتجذرة. ولذلك أسرعت الحكومة الانتقالية في تعيين منّي أركو مناوي رئيس (حركة جيش تحرير السودان) حاكماً عاماً لدارفور تطبيقاً لاتفاقية جوبا، ونزولاً عند الاعتقاد بأنّه قائد حركة مسلحة ولكونه جزءاً من الصراع في دارفور يمكنه أن يسهم في مواجهة مشاكل الإقليم وتحقيق نوع من الاستقرار وتحسين العلاقات بين الإثنيات المختلفة. ولكن الحقيقة أنَّ مناوي كان مُقنعاً فقط للحكومة، ولكن لدارفور حسابات أخرى، وعلى إثر هذا الواقع تلاشت الصورة الوردية التي رسمها مناوي للحكومة بأنّه سوف يخلق واقعاً جديداً في دارفور، بمساعدة المجتمع الدولي، يسوده الاستقرار وإعادة توطين النازحين واللاجئين وإنهاء الحرب.

وفي طور التأسيس لنظام سياسي أفضل، يتجاوز مساويء النظام السابق وعجزه عن حل أزمة دارفور، سعت الحكومة الانتقالية للتواصل مع أهالي الإقليم مباشرة في زيارات رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وعبر الحاكم العام، كانت نتيجتها إيجابية ولكنها مؤقتة، إذ عادت الصراعات مرة أخرى في أنحاء متفرقة من الإقليم وخصوصاً غرب دارفور، وذلك لثلاثة عوامل، العامل الأول هو طبيعة دارفور المتمايزة، إذ يصعب الاستقرار في أجزاء واسعة منها تعاني من الجفاف، ولكنها تكون ممرات للمراعي وطرقا يسلكها الرعاة بماشيتهم وفي غالبيتها تكون حواكير تابعة لقبائل مناوئة، فتتعرض الماشية للسرقة، وأصحابها للقتل. أما العامل الثاني، إن التواصل مع أهالي دارفور يتم عبر فوقية إدارية، فالسلطة في المركز هي التي تأتي زائرة للإقليم، ما رسخ الانفصام بين مواطني الإقليم من جهة، ومن جهة أخرى الولاة وحاكم الإقليم الحالي مناوي الذي يقيم مع قواته بصورة شبه دائمة في الخرطوم ويدير الإقليم من هناك. أما العامل الثالث، فهو القصور السياسي والأمني والاقتصادي والذي أدى إلى العجز عن تطوير القوى الإنتاجية في الإقليم، على الرغم من توفر الموارد وعدم حسم سيطرة الجماعات المسلحة عليها بوضع اليد.

صحيفة السوداني